أخرى. ومعلوم أن ليس مقصود الباري تعالى من كل جوهر الدلالة عليه ، وإن صلح لذلك. كما أن من كتب كتابا ليس مقصوده بكل كلمة الدلالة على الكاتب. أو المراد الموت كما في قوله تعالى : (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ) (١)
وقيل : معناه كل عمل لم يقصد به وجه الله تعالى ، فهو هالك ، أي غير مثاب عليه.
الرابع ـ قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) (٢) (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) (٣) (كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) (٤).
والبدء من العدم ، فكذا العود ، وأيضا إعادة الخلق بعد إبدائه لا تتصور بدون تخلل العدم.
وأجيب بأنا لا نسلم أن المراد بإبداء الخلق الإيجاد والإخراج عن العدم ، بل الجمع والتركيب على ما يشعر به قوله : (وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ) (٥)
ولهذا يوصف بكونه مرئيا مشاهدا كقوله : (أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ) (٦) (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ) (٧)
وأما القول بأن الخلق حقيقة في التركيب تمسكا بمثل قوله تعالى : (خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ) (٨) أي ركبكم. (وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً) (٩)
اي يركبونه ، فلا يكون حقيقة في الايجاد دفعا للاشتراك ، فضعيف جدا لإطباق أهل اللغة على أنه إحداث وإيجاد ، مع تقدير سواء كان عن مادة كما في خلقكم من تراب أو بدونه ، كما في خلق الله العالم.
الخامس ـ قوله تعالى : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ) (١٠)
والفناء هو العدم.
__________________
(١) سورة النساء آية رقم ١٧٦.
(٢) سورة الروم آية رقم ٢٧.
(٣) سورة الأنبياء آية رقم ١٠٤.
(٤) سورة الأعراف آية رقم ٢٩.
(٥) سورة السجدة آية رقم ٧.
(٦) سورة العنكبوت آية رقم ١٩.
(٧) سورة العنكبوت آية رقم ٢٠.
(٨) سورة غافر آية رقم ٦٧.
(٩) سورة العنكبوت آية رقم ١٧.
(١٠) سورة الرحمن آية رقم ٢٦.