الأول ـ الإجماع على ذلك قبل ظهور المخالفين ، كبعض المتأخرين من المعتزلة ، وأهل السنة. ورد بالمنع ، كيف وقد أطبقت معتزلة بغداد على خلافه. نعم ، كان الصحابة مجمعين على بقاء الحق وفناء الخلق ، بمعنى هلاك الأشياء ، وموت الأحياء ، وتفرق الأجزاء ، لا بمعنى انعدام الجواهر بالكلية ، لأن الظاهر أنهم لم يكونوا يخوضون في هذه التدقيقات.
الثاني قوله تعالى : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ) (١)
أي في الوجود. ولا يتصور ذلك إلا بانعدام ما سواه. وليس بعد القيامة وفاقا. فيكون قبلها.
وأجيب بأنه يجوز أن يكون المعنى هو مبدأ كل موجود ، وغاية كل مقصود ، أو هو المتوحد في الألوهية أو صفات الكمال ، كما إذا قيل لك : أهذا أول من زارك أو آخرهم؟ فتقول : هو الأول والآخر ، وتريد أنه لا زائر سواه. أو هو الأول والآخر بالنسبة إلى كل حي. بمعنى أنه يبقى بعد موت جميع الأحياء. أو هو الأول خلقا والآخر رزقا كما قال : (خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ) (٢)
وبالجملة فليس المراد أنه آخر كل شيء بحسب الزمان للاتفاق على أبدية الجنة ومن فيها.
الثالث ـ قوله تعالى : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) (٣) فإن المراد به الانعدام ، لا الخروج عن كونه منتفعا به. لأن الشيء بعد التفرق يبقى دليلا على الصانع ، وذلك من أعظم المنافع.
وأجيب بأن المعنى أنه هالك في حد ذاته لكونه ممكنا لا يستحق الوجود إلا بالنظر إلى العلة. أو المراد بالهلاك الموت ، أو الخروج عن الانتفاع المقصود به اللائق بحاله. كما يقال: هلك الطعام إذا لم يبق صالحا للآكل ، وإن صلح لمنفعة
__________________
(١) سورة الحديد آية رقم ٣.
(٢) سورة الروم آية رقم ٤٠.
(٣) سورة القصص آية رقم ٨٨.