وضعفها ، وفي سرعة الزوال وبطئه ، فيختلف العذاب بها في الكم (١) والكيف (٢) بحسب الاختلافين ، وهذا إذا عرفت النفس أن لها كمالا فاتها لاكتسابها ما يضاد الكمال ، أو لاشتغالها بما يصرفها عن اكتساب الكمال ، أو لتكاسلها في اقتناء الكمال ، وعدم اشتغالها بشيء من العلوم. وأما النفوس السليمة الخالية عن الكمال ، وعما يضاده ، وعن الشوق الى الكمال ، فتبقى في سعة من رحمة الله تعالى ، خالصة من البدن إلى سعادة تليق بها ، غير متألمة بما يتأذى به الأشقياء ، إلا أنه ذهب بعض الفلاسفة إلى أنها لا يجوز أن تكون معطلة عن الإدراك ، فلا بد أن تتعلق بأجسام أخر لما أنها لا تدرك إلا بالآلات الجسمانية ، وحينئذ إما أن تصير مبادي صور لها ، وتكون نفوسا لها ، وهذا هو القول بالتناسخ ، وإما أن لا تصير ، وهذا هو الذي مال إليه ابن سينا (٣) والفارابي (٤) من أنها تتعلق بأجرام سماوية ، لا على أن تكون نفوسا لها مدبرة لأمورها ، بل على أن تستعملها لإمكان التخيل ، ثم تتخيل الصور التي كانت معتدة عندها ، وفي وهمها ، فتشاهد الخيرات الأخروية على حسب ما تتخيلها.
__________________
(١) الكم : هو العرض الذي يقتضي الانقسام لذاته وهو إما متصل أو منفصل لأن أجزاءه إما أن تشترك في حدود يكون كل منها نهاية جزء وبداية آخر وهو المتصل أو لا وهو المنفصل ، والمتصل إما قار الذات مجتمع الأجزاء في الوجود وهو المقدار المنقسم إلى الخط والسطح والثخن وهو الجسم التعليمي أو غير قار الذات وهو الزمان والمنفصل هو العدد فقط كالعشرين والثلاثين.
(٢) الكيف هيئة قارة في الشيء لا يقتضي قسمة ولا نسبة لذاته فقوله هيئة يشمل الأعراض كلها ، وقوله قارة في الشيء احتراز عن الهيئة الغير قارة كالحركة والزمان والفعل والانفعال ، وقوله لا يقتضي قسمة ، يخرج الكم ، وقوله لا نسبة ، يخرج الأعم إلخ.
(٣) هو الحسين بن عبد الله بن سينا أبو علي شرف الملك الفيلسوف الرئيس ، صاحب التصانيف في الطب ، والمنطق والطبيعيات والإلهيات ، أصله من بلخ ، ومولده في إحدى قرى بخاري نشأ وتعلم فيها ، وطاف البلاد ، وناظر العلماء واتسعت شهرته وتقلد الوزارة في همذان وثار عليه عسكرها ونهبوا بيته فتوارى ثم صار إلى أصفهان وصنف بها أكثر كتبه ، وعاد في آخر عمره إلى همذان فمرض في الطريق ، ومات بها عام ٤٢٨ ه.
(٤) هو محمد بن محمد بن طرخان بن أوزلغ أبو نصر الفارابي ويعرف بالمعلم الثاني أكبر فلاسفة المسلمين تركي الأصل مستعرب ولد في فاراب (على نهر جيحون) وانتقل إلى بغداد فنشأ فيها وألف بها أكثر كتبه ورحل إلى مصر والشام ، واتصل بسيف الدولة ابن حمدان وتوفي بدمشق عام ٣٣٩ ه كان يحسن اليونانية وأكثر اللغات الشرقية المعروفة في عصره ، ويقال إنّ الآلة المعروفة بالقانون من وضعه. راجع وفيات الأعيان ٢ : ٧٦ وطبقات الأطباء ٢ : ١٣٤ وآداب اللغة ٢ : ٢١٣.