توبة فالمذهب عندنا عدم القطع بالعفو أو العقاب ، بل إن شاء الله عفا ، وإن شاء عذب ، لكن لا يخلد في النار. وعند المعتزلة القطع بالخلود في النار. ولا عبر لقول مقاتل. ولبعض المرجئة (١) : إن عصاة المؤمنين لا يعذبون أصلا ، وإنما النار للكفار ـ لنا وجوه :
الأول ـ النصوص الدالة على دخول المؤمنين الجنة وليس قبل دخول النار وفاقا ، بل بعده أو بدونه.
الثاني ـ النصوص الدالة على خروجهم من النار.
الثالث ـ أن من واظب على الطاعات مائة سنة وشرب جرعة من الخمر ، فلو لم يكن تخليده في النار ظلما عندكم ، فلا ظلم.
الرابع ـ أن المعصية متناهية زمانا وقدرا ، فجزاؤها كذلك تحقيقا للعدل.
الخامس أن استحقاقه الثواب وعدا أو عقلا لا يزول بالكبيرة لما سيأتي ، ولا يتصور إلا بالخروج من النار. احتجت المعتزلة بوجوه :
الأول ـ عمومات الوعيد بالخلود : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها) (٢) (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها) (٣)
(وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها) (٤)
(وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ) (٥)
__________________
(١) هي فرقة ميزت بين الأعمال والإيمان ، فالإيمان في نظرها هو التصديق بالقلب ، والإقرار باللسان ، وليس من الضروري أن يصدر عنه العمل ، فالمسلم العاصي الذي ارتكب الكبائر وضيع الفرائض سوف يتولى الله سبحانه وتعالى حسابه في الآخرة وأن الخلود في النار خاص بالكفار فقط وقيل : سمّوا مرجئة لأنهم يرجون الجنة بغير عمل ، وأشهر فرقهم هي الينوسية والغسانية ، وظهر هذا الاتجاه قويا في عهد الأمويين.
(٢) سورة الجن آية رقم ٢٣.
(٣) سورة النساء آية رقم ٩٣.
(٤) سورة السجدة آية رقم ٢٠.
(٥) سورة الانفطار آية رقم ١٤.