ضبط ذلك ، بل هو مفوض إلى علم الله ، ثم افترقا فزعم أبو علي (١) ان الأقل يسقط ، ولا يسقط من الأكثر شيئا ، وسقوط الأقل يكون عقابا إذا كان الساقط ثوابا ، وثوابا إذا كان الساقط عقابا. وهذا هو الإحباط المحض.
وقال أبو هاشم : الأقل يسقط. ويسقط من الأكثر ما يقابله. مثلا : من له مائة جزء من العقاب واكتسب الف جزء من الثواب فإنه يسقط عنه العقاب ومائة جزء من الثواب بمقابلته ويبقى له تسعمائة جزء من الثواب. ومن له مائة جزء من الثواب واكتسب الفا من العقاب ، سقط ثوابه ومائة جزء من عقابه. وهذا هو القول بالموازنة ، لا ما قال في المواقف انه يوازن بين الطاعات والمعاصي ، فأيهما رجح أحبط الآخر ، واختلفت كلمتهم في أن الإحباط والموازنة بين الفعلين أعني الطاعة والمعصية ، أو المستحقين أعني الثواب والعقاب. أو الاستحقاقين ، مال الجبائي إلى الأول وأبو هاشم الى الثاني ، وهو المختار عند الأكثرين.
وبالجملة لا يخفي على أحد أن القول بما ذهبا إليه من الإحباط والموازنة لا يصح إلا بنص من الشارع صريح ، ونقل صحيح. واستدل الإمام الرازي (٢) على بطلانه بأن الأكثر إذا أحبط الأقل ، فإن لم يحبط منه شيء ، كما هو رأي أبو علي ، صارت الطاعة السابقة لغوا محضا لا تجلب نفعا ولا تدفع ضرا ، وهو باطل إما عقلا فلكونه ظلما ، ولأنه ليس انتفاء الباقي بطرءان الحادث أولى من اندفاع الحادث بوجود الباقي. وإما سمعا فلقوله تعالى : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) (٣) وغير ذلك. وإن حبط من الأكثر ما يوازن الأقل كما هو رأي أبي هاشم فباطل أيضا.
أما أولا فلأنهما لما كانا متنافيين ، كان طرآن الحادث مشروطا بزوال السابق (٤). فلو كان زواله لأجل طرآن الحادث ، لزم الدور.
وأما ثانيا فلأن تأثير ذلك الاستحقاق القليل في بعض أجزاء الكثير ليس
__________________
(١) هو أبو هاشم الجبائي : سبق الترجمة له في كلمة وافية في الجزء الأول.
(٢) سبق الترجمة له في هذا الجزء في كلمة وافية.
(٣) سورة الزلزلة آية رقم ٧.
(٤) بزيادة لفظ (عليه) في (ب).