خالصة دائمة مع التعظيم ، والعقاب مضرة خالصة دائمة مع الإهانة.
قلنا : لا نسلم لزوم قيد الخلوص والدوام ، سيما في جانب العقاب وحتى لا يتنافى الثواب والعقاب بأن يعاقب حينا ثم يثاب ، ولو سلم فلا يلزم تنافي الاستحقاقين بأن يستحق المنفعة الدائمة من جهة الطاعة ، والمضرة الدائمة من جهة المعصية. ولو سلم ، فليس إبطال الحسنة بالسيئة أولى من العكس ، كيف وقد قال الله تعالى : (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) (١)
وحكم بأن السيئة لا تجزى إلا بمثلها ، والحسنة تجزى بعشرة أمثالها إلى سبعمائة وأكثر.
قالوا : الإحباط مصرح في التنزيل كقوله تعالى : (وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ) (٢)
و(أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) (٣)
و(لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى) (٤)
قلنا : لا بالمعنى الذي قصد ، ثم بل بمعنى أن من عمل عملا صالحا استحق به الذم ، وكان يمكنه أن يعمله على وجه يستحق به المدح والثواب ، يقال إنه أحبط عمله كالصدقة مع المن والأذى وبدونهما. وأما إحباط الطاعات بالكفر بمعنى أنه لا يثاب عليها البتة. فليس من المتنازع في شيء ، وحين تنبه أبو علي وأبو هاشم لفساد هذا الرأي ، رجعا عن التمادي بعض الرجوع. فقالا : إن المعاصي إنما تحبط الطاعات إذا أربت عليها. وإن أربت الطاعات أحبطت المعاصي (٥). ثم ليس النظر إلى أعداد الطاعات والمعاصي بل إلى مقادير الأوزار ، ولا وجود ، فرب كبيرة يغلب وزرها أجور طاعات كثيرة ، ولا سبيل إلى
__________________
(١) سورة هود آية رقم ١١٤.
(٢) سورة الحجرات آية رقم ٢.
(٣) سورة التوبة آية رقم ١٧.
(٤) سورة البقرة آية رقم ٢٦٤.
(٥) قال تعالى : (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ).