لأن زوال الثاني بلا مزيل. واعترض بأن الاستحقاق اعتبار شرعي ليس له تأثير وتأثر حقيقي. والثواب والعقاب إنما يوجدان في الآخرة ، والفعلان لا يتصور فناء أحدهما بالآخر. بل معنى الإحباط أن الله تعالى لا يثيب العاصي على الطاعة. ومعنى الموازنة أنه لا يثيب عليهما ، ويترك العقاب على المعصية بقدرها.
وقال إمام الحرمين : لا كبيرة يربى وزرها على أجر معرفة الله ، فيلزمهم أن يدرءوا بها جميع الكبائر).
لا خلاف في أن من آمن بعد الكفر والمعاصي ، فهو من أهل الجنة ، بمنزلة من لا معصية له. ومن كفر ـ نعوذ بالله ـ بعد الإيمان والعمل الصالح فهو من أهل النار ، بمنزلة من لا حسنة له. وإنما الكلام فيمن آمن وعمل صالحا وآخر سيئا ، واستمر على الطاعات والكبائر كما يشاهد من الناس ، فعندنا مآله إلى الجنة ، ولو بعد النار ، واستحقاقه للثواب والعقاب بمقتضى الوعد والوعيد ثابت من غير حبوط. والمشهور من مذهب المعتزلة أنه من أهل الخلود في النار إذا مات قبل التوبة ، فأشكل عليهم الأمر في إيمانه وطاعاته. وما ثبت من استحقاقاته ، أين طارت؟ وكيف زالت؟ فقالوا بحبوط الطاعات. ومالوا إلى ان السيئات يذهبن الحسنات ، حتى ذهب الجمهور منهم إلى أن الكبيرة الواحدة تحبط ثواب جميع العبادات ، وفساده ظاهر ، إما سمعا فللنصوص الدالة على أن الله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا. وإما عقلا فللقطع بأنه لا يحسن من الحكيم الكريم إبطال ثواب إيمان العبد ومواظبته على الطاعات طول العمر بتناول لقمة من الربا ، أو جرعة من الخمر ، بمنزلة من خدم كريما مائة سنة حق الخدمة ، ثم بدت منه مخالفة أمر من أوامره ، فهل يحسن رفض حقوق تلك الخدمات ، ونقض ما عهد ووعد من الحسنات ، وتعذيبه عذاب من واظب مدة الحياة على المخالفة والمعاداة. وأيضا استحقاق الثواب على الطاعة عندهم إنما هو لكونها حسنة وامتثالا لأمر الباري. وهذا متحقق مع الكبيرة ، فيتحقق أثره ، وأيضا لو كانت الكبيرة محبطة لثواب الطاعة ، لكانت منافية لصحتها بمنزلة الردة.
قالوا : استحقاق الثواب والعقاب متنافيان لا يجتمعان ، لأن الثواب منفعة