كون الفعل حسنة وامتثالا باق ، ولأنه يوجب منافاة الكبيرة لصحة الطاعة كالردة.
قالوا : الثواب منفعة خالصة دائمة مع التعظيم والعقاب ، مضرة خالصة دائمة مع الإهانة ، فلا يجتمعان استحقاقا.
قلنا : لو سلم لزوم قيد الخلوص والدوام ، فلا يوجب تنافي الاستحقاقين ، ولو سلم فليس إبطال الحسنة بالسيئة أولى من العكس ، كيف وقد قال الله تعالى : (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ)
وذهب الجبائيان إلى أن أيا من الطاعات والمعاصي أربت قدرا بحسب الأجر والوزر لا عددا حبطت الأخرى ، ثم زعم أبو علي أن الأقل يسقط. ولا يسقط من الأكثر شيئا ، وهذا هو الإحباط المحض ، وأبو هاشم أنه يسقط ، ويسقط من الأكثر ما يقابله. وهذا هو الموازنة ، واختلفوا في أن ذلك يعتبر بين الفعلين ، أعني الطاعة والمعصية ، أو المستحقين ، أعني الثواب والعقاب ، أو الاستحقاقين ، واستدلوا على الإحباط في الجملة بمثل قوله تعالى: (أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ) (١) (أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) (٢) (لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى) (٣)
لكنه لا يثبت ما هو المتنازع من بطلان حسنة كاملة بسيئة سابقة أو لا حقة ، فضلا عن تفضيل الجانبين ، واستدل الإمام على بطلان ، أمّا على رأي أبي علي فلأنه تلغو الطاعة السابقة ، وهو ظلم عندكم. وينتفى بقوله تعالى : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) (٤)
مع ما فيه من الترجح بلا مرجح ، وأما على رأي أبي هاشم فلأن طرآن الحادث مشروط بزوال السابق ، فزواله به دور لأنه لا أولوية لبعض أجزاء الكبير ، فيلزم أن يفنى بكليته ، ولأن زوال كل بالآخر دفعة يوجب وجودهما حال عدمهما لوجود العلة حال حدوث المعلول. وعلى التعاقب يوجب حدوث المعلول بلا علته.
__________________
(١) سورة الحجرات آية رقم ٢.
(٢) سورة التوبة آية رقم ١٧.
(٣) سورة البقرة آية رقم ٢٦٤.
(٤) سورة الزلزلة آية رقم ٧.