ويجعل العفو عن الكفر جائزا غير واقع. وعليه الأشاعرة (١) وكثير من المتكلمين.
قال : للمانعين عقلا
(للمانعين عقلا أن جواز العفو إغراء على القبيح فيمتنع. ورد بعد تسليم القاعدة بمنع كونه إغراء ، بل مجرد احتمال العقوبة زاجر ، فكيف مع الرجحان وشهادة النصوص.).
تمسكت الوعيدية القائلون بعدم جواز العفو عن الكبائر عقلا ، وهم البلخي (٢) وأتباعه بأنه إغراء على القبيح ، لأن المكلف يتكل على العفو ويرتكب القبائح ، وهذا قبيح يمتنع إسناده إلى الله تعالى. وأجيب بعد تسليم قاعدة الحسن والقبح العقليين بأن مجرد احتمال العقوبة يصلح زاجرا للعاقل عن ارتكاب الباطل ، فكيف مع الآيات القاطعة بالعذاب والوعيدات الشائعة في ذلك الباب. فكيف يكون احتمال تركها ، بل وقوعه في الجملة ، وبالنسبة إلى من لا يعلمه إلا الله مظنة للإغراء ومفضية الى الاجتراء ، ألا ترى أن قبول التوبة مع وجوبه عندكم ، وعزم كل أحد عليها غالبا ليس بإغراء ، والتردد في نيل توفيقها لا يزيد على التردد في نيل كرامة العفو؟.
فإن قيل : ترك العفو ادعى الى الطاعة ، فيكون لطفا فيجب ، فيمتنع العفو.
قلنا : منقوض بقبول التوبة (٣) وتأخير العقوبة (٤) وإن ادعى وجه مفسدة في تركهما منعنا انتفاءه في ترك العفو. فإن في العفو لطفا بالعبد في تأدية وظيفة مزيد
__________________
(١) سبق الحديث على فرقة الأشاعرة ورئيسهم أبي الحسن الأشعري ، في الجزء الأول من هذا الكتاب فليرجع إليه. وبالله التوفيق.
(٢) هو أحمد بن سهل ، أبو زيد البلخى أحد الكبار الأفذاذ من علماء الإسلام ، جمع بين الشريعة والفلسفة ولد في إحدى قرى بلخ عام ٢٣٥ ه من كتبه : أقسام العلوم ، وشرائع الأديان ، وكتاب السياسة الكبير والصغير ، والأسماء والكنى والألقاب ، ما يصح من أحكام النجوم ، أقسام علوم الفلسفة وغير ذلك كثير توفي عام ٣٢٢ ه ، راجع الفهرست وحكماء الإسلام ، ولسان الميزان ١ : ١٨٣.
(٣) في (ب) بزيادة (من العبد).
(٤) في (ب) بزيادة لفظ (عنه).