وكذا تعم كل أحد من العصاة ، فلا تلائم التعليق بمن يشاء المفيد للبعضية وكذا مغفرة الصغائر ، على أن في تخصيصها إخلالا بالمقصود ، أعني تهويل شأن الشرك ببلوغه النهاية في القبح بحيث لا يغفر (١) ، ويغفر جميع ما سواه ، ولو كبيرة في الغاية ، وأما باقي المعاني المذكورة فربما يكون في الشرك أقوى على ما لا يخفى ، فلا معنى للنفي ، والمشهور في إبطال تقييدهم المغفرة بما بعد التوبة أن قبول التوبة وترك العقاب بعدها واجب عندهم (٢). فلا يتعلق بالمشيئة. واعترض بأن ترك العقاب على الكبيرة بعد التوبة ليس واجبا كثواب المطيع بل بمقتضى الوعد ، بمعنى أنه واجب أن يكون كما هو المذهب عندكم ، ووعده بذلك ووفاؤه بما وعد هو المغفرة والعفو. ولو سلم ، ففعل الله تعالى ، وإن كان واجبا (٣) عليه ، يكون بمشيئته وإرادته. فيصح تعليقه بها.
والجواب ـ أن المذهب عندهم على ما صرحوا به في كتبهم هو أن العقاب بعد التوبة ظلم يجب على الله تركه ، ولا يجوز فعله. ثم الواجب ، وإن كان فعله بالإرادة والمشيئة ، لا يحسن في الإطلاق تعليقه بالمشيئة كقضاء الدين. والوفاء بالنذر ، لأنه إنما يحسن فيما يكون له الخيرة في الفعل والترك ، على أنك إذا تحققت ، فليس هذا مجرد تعليق بالمشيئة بمنزلة قولك : يغفر ما دونه إن شاء ، بل تقييدا للمغفور له. بمنزلة قولك : يغفر لمن يشاء دون من لا يشاء ، وهذا لا يكون في الواجب البتة ، بل في المتفضل به كقولك : الأمير يخلع على من يشاء. بمعنى أنه يفعل ذلك ، لكن بالنسبة إلى البعض دون البعض. وبهذا يندفع إشكال آخر ، وهو أن المغفرة معلقة بالمشيئة فلا يدل على الوقوع ، لعدم العلم بوقوع المشيئة ، بل على مجرد الجواز ، وليس المتنازع. وقد يدفع بأنه لا بد من وقوع المشيئة ليتحقق الفرق بين الشرك وما دونه على ما هو مقصود سوق الآية. وهذا الدفع إنما يتم على رأي من يجعل التفرقة بينهما بوقوع العفو ولا وقوعه.
__________________
(١) في (ب) بزيادة (هذا الذنب).
(٢) قال تعالى : (وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). والفلاح لا يكون معه عقاب.
(٣) عجب لهؤلاء القوم ، ومن الذي أوجب عليه ذلك إن العبودية الحقة لله تعالى تجعل العبيد بمنأى عن هذه الأشياء التي يقشعر منها البدن ، وتذهب منها النفس حسرات ..؟؟