بعدم وقوع بعضها كانقلاب الجبل والبحر ، وهذا الشخص ، وأمثال ذلك لا ينافي إلا الإمكان الذاتي على ما سبق في صدر الكتاب.
وعن الثاني بأن المتواترات أحد أقسام الضروريات ، فالقدح فيها بما ذكر مع أنه ظاهر الاندفاع لا يستحق الجواب. وأما وجه دلالتها أي وجه دلالة المعجزة على صدق الرسالة أنها عند التحقيق بمنزلة صريح التصديق لما جرت العادة به من أن الله تعالى يخلق عقيبها العلم الضروري بصدقه ، كما إذا قام رجل في مجلس ملك بحضور جماعة ، وادعى أنه رسول هذا الملك إليهم ، فطالبوه بالحجة ، فقال : هي أن يخالف هذا الملك عادته ويقوم عن سريره ثلاث مرات ويقعد ففعل ، فإنه يكون تصديقا له ومفيدا للعلم الضروري بصدقه من غير ارتياب.
فإن قيل : هذا تمثيل وقياس للغائب على الشاهد وهو على تقدير ظهور الجامع ، إنما يعتبر في العمليات لإفادة الظن ، وقد اعتبرتموه بلا جامع لإفادة اليقين في العمليات التي هي أساس ثبوت الشرائع. على أن حصول العلم فيما ذكرتم من المثال إنما هو بشواهد من قرائن الأحوال.
قلنا التمثيل إنما هو للتوضيح والتقريب دون الاستدلال ، ولا مدخل لمشاهدة القرائن في إفادة العلم الضروري لحصوله للغائبين عن هذا المجلس عند تواتر القضية إليهم ، وللحاضرين فيما إذا فرضنا الملك في بيت ليس فيه غيره ودونه حجب لا يقدر على تحريكها أحد سواه. وجعل مدعي الرسالة حجته أن الملك يحرك تلك الحجب من ساعته ففعل.
فإن قيل هاهنا احتمالات تنفي الدلالة على الصدق والجزم به ، وهي أنواع :
الأول : احتمال أن لا يكون ذلك الأمر من الله تعالى ، بل يستند إلى المدعي بخاصية في نفسه ، أو مزاج في بدنه ، أو لاطلاع منه على خواص في بعض الأجسام يتخذها ذريعة(١) إلى ذلك ، أو يستند إلى بعض الملائكة أو الجن ، أو إلى اتصالات كوكبية وأوضاع فلكية ، لا يطلع عليها غيره ، إلى غير ذلك من الأسباب
__________________
(١) في (ب) وسيلة بدلا من (ذريعة)