الثاني : احتمال أن لا يكون خارقا للعادة ، بل ابتداء عادة أراد الله أجراءها أو تكرير عادة لا تكون إلا في دهور متطاولة ، كعود الثوابت إلى نقطة معينة.
الثالث : احتمال أن يكون مما يعارض إلا أنه لم يعارض لعدم بلوغه إلى من يقدر المعارضة ، أو لمواضعة من القول ، وموافقة في إعلاء كلمته ، أو لخوف ، أو لاستهانة وقلة مبالاة ، أو لاشتغال بما هو أهم ، أو عورض ولم ينقل لمانع.
الرابع : احتمال أن لا يكون لغرض التصديق ، إما لانتفاء الغرض في فعله على ما هو المذهب ، وإما لثبوت غرض آخر مثل ان يكون لطفا بمكلف ، أو إجابة لدعوته ، أو معجزة لنبي آخر ، أو ابتلاء للعبد لينال الثواب بالتوقف عن موجبه ، أو النظر والاجتهاد في دفعه ، كما في إنزال المتشابه ، أو إضلالا للخلق على ما هو المذهب عندكم من أن (الله يضل من يشاء) من عباده ، وبعدم تسليم انتفاء الاحتمالات ، وكون المعجزة بمنزلة صريح القول من الله تعالى بأن المدعي صادق فهو لا يوجب صدقه إلا بعد استحالة الكذب في إخبار الله تعالى ، ولا سبيل إلى ذلك بدليل السمع للزوم الدور ، ولا بدليل العقل ، لأن غايته أن الكذب قبيح ، وهو على الله تعالى مستحيل ، وثبوت المقدمتين بغير دليل السمع في حيز المنع.
فالجواب إجمالا أن الاحتمالات والتجويزات العقلية لا تنافي العلوم العادية الضرورية القطعية ، فنحن نقطع بحصول العلم بالصدق عقيب ظهور المعجزة من غير التفات إلى ما ذكر من الاحتمالات لا بالنفي ولا بالإثبات ، كما يحصل في المثال المذكور ، وإن كان الملك ظلوما غشوما كذوبا لا يبالي بإغواء رعيته والاستهزاء برسله ، وتفصيلا :
أولا : أنا بينا أن لا مؤثر في الوجود إلا الله وحده ، سيما في مثل إحياء الموتى ، وانقلاب العصا حية ، وانشقاق القمر ، وسلام الحجر والمدر ، على أن مجرد التمكين ، وترك الدفع من قبل الحكيم القادر المختار كاف في إفادة المطلوب ، ولهذا ذهب المعتزلة إلى ان المعجزة (١) تكون فعلا لله تعالى ، أو واقعا بأمره أو بتمكينه.
__________________
(١) المعجزة : أمر خارق للعادة داعية إلى الخير والسعادة مقرونة بدعوى النبوة قصد به إظهار صدق من ادعى أنه رسول من الله تعالى.