إلى أن العقاب بعد التوبة ظلم. لأن من بالغ في الاعتذار إلى من أساء إليه ، سقط ذنبه. ولأن التكليف باق ، وهو تعريض للثواب. ولا يتصور إلا بسقوط العقاب. ولا طريق سوى التوبة. وضعفه ظاهر. ثم سقوط العقوبة عند أكثر المعتزلة بنفس التوبة. وعند بعضهم بكثرة ثوابها. وعندنا بمحض الكرم. والتوبة الصحيحة عبادة لا يبطل ثوابها بمعاودة الذنب. والتوبة ثانيا عبادة أخرى.
لا نزاع في وجوب التوبة. أما عندنا فسمعا لقوله تعالى : (وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً)(١). (تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً) (٢).
ونحو ذلك. وأما عند المعتزلة فعقلا لما فيها من دفع ضرر العقاب. ولما أن الندم على القبيح من مقتضيات العقل الصحيح. وهذا يتناول الصغائر أيضا ، فيكون حجة على البهشمية القائلين بوجوب التوبة عن الصغائر سمعا لا عقلا ، لسقوط عقوبتها. ثم المصرح في كلام المعتزلة أن وجوب التوبة على الفور حتى يلزمه بتأخير ساعة إثم آخر يجب التوبة عنه ، وهلم جرا. حتى ذكروا أن بتأخير التوبة عن الكبيرة ساعة واحدة تكون له كبيرتان : المعصية ، وترك التوبة. وساعتين أربع الأوليان ، وترك التوبة عن كل منهما. وثلاث ساعات ثمان ، وهكذا. وأما قبول التوبة ، فلا يجب عندنا إذ لا وجوب على الله تعالى. وهل ثبت سمعا ووعدا؟.
قال إمام الحرمين : نعم ، بدليل ظني ، إذ لم يثبت في ذلك نص قاطع لا يحتمل التأويل. وعند المعتزلة يجب ، حتى قالوا : إن العقاب بعد التوبة ظلم. لكن بمقتضى الجود على رأي البغدادية ، وبمقتضى العدل والحكمة على رأي الجمهور. واحتجوا بأن العاصي قد بذل وسعه في التلافي ، فيسقط عقابه ، كمن بالغ في الاعتذار إلى من أساء إليه سقط ذمه بالضرورة ، وبأن التكليف باق ، وهو
__________________
(١) سورة النور آية رقم ٣١.
(٢) سورة التحريم آية رقم ٨.