تعريض للثواب. ولا يتصور إلا بسقوط العقاب ، فوجب أن يكون له مخلص (١) من العقاب ، وليس غير التوبة ، فوجب أن يكون مخلصا (٢) ، وأكثر المقدمات مزخرف بل ربما يدعي القطع بأن من أساء إلى غيره ، وانتهك حرماته ، ثم جاء معتذرا لا يجب في حكم العقل قبول اعتذاره ، بل الخيرة إلى ذلك الغير ، إن شاء صفح ، وإن شاء جازاه.
وأما احتجاجنا بالإجماع على الابتهال إلى الله تعالى في وجوب قبول التوبة ، وعلى وجوب شكره على ذلك ، فربما يدفع بأن المسئول هو استجماعها بشرائط القبول. فإن الأمر فيه خطير. ووجوب القبول لا ينافي وجوب الشكر لكونه إحسانا في نفسه ، كتربية الوالد لولده ، يجب شكرها مع وجوبها. ثم اختلفوا في مسقط العقوبة. فعند أكثر المعتزلة بنفس التوبة ، وعند بعضهم بكثرة ثوابها ، إذ لو كان بنفس التوبة ، لسقط بتوبة لملجإ ، ويندم العاصي عند معاينة النار. ورد بمنع الندم في صورة الإلجاء ، وبمنع كونه للقبح في صورة المعاينة. واحتج الأكثرون بأنه لو كان بكثرة الثواب ، لما اختصت التوبة عن معصية معينة (٣) بسقوط عقابها دون أخرى ، لأن نسبة كثرة الثواب إلى الكل على السوية. ولما بقى فرق بين التوبة المتقدمة على المعصية والمتأخرة عنها في إسقاط عقابها ، كسائر الطاعات التي تسقط العقوبات بكثرة ثوابها. واللازم باطل للقطع بأن من تاب عن المعاصي كلها ، ثم شرب الخمر لا يسقط عنه عقاب الشرب (٤). وأما عندنا فهو بمحض عفو الله تعالى وكرمه وتوبته الصحيحة عبادة يثاب عليها تفضلا ، ولا تبطل بمعاودة الذنب ، ثم إذا تاب عنه ثانيا يكون عبادة أخرى.
فإن قيل : فعندكم حكم المؤمن المواظب (٥) على الطاعات ، المعصوم عن
__________________
(١) في (ب) منجى بدلا من (مخلص).
(٢) في (ب) منجيا بدلا من (مخلصا).
(٣) في (ب) بعينها بدلا من (معينة).
(٤) في (أ) بزيادة لفظ (الخمر).
(٥) في (ب) المؤدي بدلا من (المواظب).