المعاصي ، والمؤمن المصر على المعاصي طول عمرة ، من غير عبادة أصلا ، والمؤمن الجامع بين الطاعات والمعاصي من غير توبة ، والمؤمن التائب عن المعاصي واحد ، وهو التفويض إلى مشيئة الله تعالى من غير قطع بالثواب أو العقاب. فلا رجاء من الطاعة والتوبة ، ولا خوف من المعصية والإصرار. وهذه جهالة جاهلة ، ومكابرة تائهة.
قلنا : حكم الكل واحد في أنه لا يجب على الله تعالى في حقهم شيء. لكن يثيب المطيع والتائب البتة بمقتضى الوعد على تفاوت درجات. ويعاقب العاصي المصر بمقتضى الوعيد على اختلاف دركات. لكن مع احتمال العفو احتمالا مرجوحا ، فأين التساوي ، وانقطاع الخوف (١) والرجاء. نعم ، خوفنا لا ينهي إلى حد اليأس والقنوط ، إذ لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون.
ثم اختلفت المعتزلة في أنه إذا سقط استحقاق عقاب المعصية بالتوبة ، هل يعود استحقاق ثواب الطاعة الذي أبطله تلك المعصية؟ فقال أبو علي ، وأبو هاشم : لا ، لأن الطاعة تنعدم في الحال. وإنما يبقى استحقاق الثواب ، وقد سقط ، والساقط لا يعود.
وقال الكعبي : نعم ، لأن الكبيرة لا تزيل الطاعة ، وإنما تمنع حكمها ، وهو المدح والتعظيم ، فلا تزيل ثمرتها. فإذا صارت بالتوبة كأن لم تكن ، ظهرت ثمرة الطاعة كنور الشمس إذا زال الغيم.
وقال بعضهم ، وهو اختيار المتأخرين : لا يعود ثوابه السابق ، لكن تعود طاعته السالفة مؤثرة في استحقاق ثمراته ، وهو المدح. والثواب في المستقبل بمنزلة شجرة أحرقت النار أغصانها وثمارها ، ثم انطفأت النار ، فإنه يعود أصل الشجرة وعروقها إلى خضرتها وثمرتها.
__________________
(١) الخوف : لغة وعرفا : توقع حلول مكروه أو فوات محبوب وفي الاصطلاح الإشفاق من عذاب الله تعالى. وأما الرجاء فهو في اللغة : الأمل وفي العرف : تعلق القلب بحصول محبوب في المستقبل ، وفي الاصطلاح : الطمع في ثواب الله مع وجود الطاعة ، وكلاهما واجب على المكلف فلا يجوز خلو قلبه من أحدهما. قال تعالى : (يَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ) وقال تعالى : (وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً). وقال تعالى : (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً).