اليقين ، وهو لا يتفاوت ، وإنما يتفاوت إذا جعل اسما للطاعة ، ولهذا قيل : الخلاف مبني على الخلاف في تفسير الإيمان ، لكنه إنما يصح إذا لم يجعل ترك العمل خروجا عن الإيمان ، وحينئذ يكون التفاوت في كمال الإيمان ، لا في أصله.
وأجيب بعد تسليم أن التصديق هو اليقين ، وأن اليقين هو المعتبر في حق الكل يمنع قبوله التفاوت كما في اليقين الضروري والنظري ، بعد زوال التردد والخفاء. تمسك القائلون بالتفاوت بأن إيمان آحاد الأمة لا يساوي إيمان الأنبياء قطعا ، وبالنصوص الصريحة في ذلك:
(وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً) (١) (لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ) (٢) (وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً) (٣)
وفي الحديث : «إن الإيمان يزيد حتى يدخل صاحبه الجنة»(٤).
وأجيب بأن المراد الزيادة بحسب الدوام والثبات والأعداد ، أو بحسب زيادة ما يجب الإيمان به عند ملاحظة التفاصيل ، أو المراد زيادة ثمراته وأنواره.)
وهو مذهب الأشاعرة والمعتزلة ، والمحكى عن الشافعي (رحمهالله) وكثير من العلماء أن الإيمان يزيد وينقص وعند أبي حنيفة (رحمهالله) وأصحابه وكثير من العلماء ـ وهو اختيار إمام الحرمين ـ أنه لا يزيد ولا ينقص ، لأنه اسم للتصديق البالغ حد الجزم والإذعان ، ولا يتصور فيه الزيادة والنقصان. والمصدق إذا ضم الطاعات إليه أو ارتكب المعاصي ، فتصديقه بحالة لم يتغير أصلا ، وإنما يتفاوت إذا كان اسما للطاعات المتفاوتة قلة وكثرة. ولهذا قال الإمام الرازي وغيره. إن هذا الخلاف فرع تفسير الإيمان.
فإن قلنا : هو التصديق ، فلا يتفاوت. وإن قلنا : هو الأعمال فمتفاوت.
__________________
(١) سورة الأنفال آية رقم ٢.
(٢) سورة الفتح آية رقم ٤.
(٣) سورة المدثر آية رقم ٣١.
(٤) الحديث رواه ابن ماجه في سننه مختصرا المقدمة ٩ باب في الإيمان ٧٤ حدثنا أبو عثمان البخاري سعيد بن سعد قال : حدثنا الهيثم بن خارجة حدثنا إسماعيل يعني ابن عياش عن عبد الوهاب بن مجاهد ، عن مجاهد عن أبي هريرة وابن عباس قال : وذكره.