عن سوء صنيعه بالقول ، فلأهل الحل والعقد التواطؤ على ردعه ، ولو بشهر السلاح ، ونصب الحروب. هذا ، ولكن لما شاعت بين الناس في باب الإمامة اعتقادات فاسدة ، واختلافات ، بل اختلافات باردة سيما من فرق الروافض والخوارج ، ومالت كل فئة إلى تعصبات تكاد تفضي إلى رفض كثير من قواعد الإسلام ، ونقض عقائد المسلمين ، والقدح في الخلفاء الراشدين ، مع القطع بأنه ليس للبحث عن أحوالهم ، واستحقاقهم وأفضليتهم كثير تعلق بأفعال المكلفين ألحق المتكلمون هذا الباب بأبواب الكلام ، وربما أدرجوه في تعريفه حيث قالوا : هو العلم الباحث عن أصول الصانع والنبوة والإمامة والمعاد ، وما يتصل بذلك على قانون الإسلام. والإمامة رئاسة عامة في أمر الدين والدنيا ، خلافة عن النبي (صلىاللهعليهوسلم) وبهذا القيد خرجت النبوة ، وبقيد العموم مثل القضاء والرئاسة في بعض النواحي ، وكذا رئاسة من جعلة الإمام نائبا عنه على الإطلاق ، فإنها لا تعم الإمامة.
وقال الإمام الرازي (١) : هي رئاسة عامة في الدين والدنيا ، لشخص من الأشخاص ، وقال : هو احتراز عن كل الأمة إذا عزلوا الإمام لفسقه. وكأنه أراد بكل الأمة أهل الحل والعقد ، واعتبر رياستهم على من عداهم أو على كل من آحاد الأمة. ومع هذا يرد عليه أن الوحدة من شرائط الإمامة ، لا من مقوماتها. وفي الشروط كثرة وعلى اشتراطها أدلة ويمكن أن يقال : إنها بالمقومات أشبه ، من جهة أنه لا يقال لجميع الأمة حينئذ أئمة. بخلاف الإمام الجاهل أو الفاسق أو نحو ذلك ، وعلى هذا ينبغي أن لا يقال لشخصين بايعهما الأمة أنهما إمامان.
فإن قيل : الخلافة عن النبي (صلىاللهعليهوسلم) إنما تكون فيمن استخلفه النبي (صلىاللهعليهوسلم) ولا يصدق التعريف على إمامة البيعة (٢) ونحوها ، فضلا عن رئاسة النائب العام للإمام.
قلنا : لو سلم فالاستخلاف أعم من أن يكون بوسط أو بدونه.
قال : وفيه مباحث لبيان وجوب الإمامة وشروطها وطريق ثبوتها ، ونبذ من
__________________
(١) سبق الترجمة له في كلمة وافية في الجزء الأول.
(٢) تكلما عن البيعة وشروطها وقواعدها في كلمة وافية في الجزء الثالث.