كلية تتعلق بها مصالح دينية أو دنيوية ، لا ينتظم الأمر إلا بحصولها ، فيقصد الشارع تحصيلها في الجملة ، من غير أن يقصد حصولها من كل أحد. ولا خفاء في أن ذلك من الأحكام العملية دون الاعتقادية ، وقد ذكر في كتبنا الفقهية أنه لا بد للأمة من إمام يحيي الدين ، ويقيم السنة ، وينتصف للمظلومين ، ويستوفي الحقوق ويضعها مواضعها ، ويشترط أن يكون مكلفا ، مسلما ، عدلا ، حرا ، ذكرا ، مجتهدا ، شجاعا ، ذا رأي وكفاية ، سميعا ، بصيرا ، ناطقا ، قريشيا ، فإن لم يوجد من قريش من يستجمع الصفات المعتبرة ، ولي كناني ، فإن لم يوجد ، فرجل من ولد إسماعيل ، فإن لم يوجد فرجل من العجم ، ولا يشترط أن يكون هاشميا ولا معصوما ولا أفضل من يولى عليهم. وتنعقد الإمامة بطرق :
أحدها ـ بيعة أهل الحل والعقد من العلماء والرؤساء ، ووجوه الناس الذين يتيسر حضورهم من غير اشتراط عدد ، ولا اتفاق من في سائر البلاد بل لو تعلق الحل والعقد بواحد مطاع كفت بيعته.
والثاني ـ استخلاف الإمام وعهده ، وجعله الأمر شورى ، بمنزلة الاستخلاف ، إلا ان المستخلف غير متعين ، فيتشاورون ويتفقون على أحدهم. وإذا خلع الإمام نفسه ، كان كموته ، فينتقل الأمر إلى ولي العهد.
والثالث ـ القهر والاستيلاء ، فإذا مات الإمام وتصدى للإمامة من يستجمع شرائطها من غير بيعة واستخلاف ، وقهر الناس بشوكته ، انعقدت الخلافة له. وكذا إذا كان فاسقا أو جاهلا على الأظهر ، إلا أنه يعصى بما فعل ، ولا يعتبر الشخص إماما بتفرده بشروط الإمامة ، ويجب طاعة الإمام ما لم يخالف حكم الشرع. سواء كان عادلا أو جائرا. ولا يجوز نصب إمامين في وقت واحد على الأظهر ، وإذا ثبت الإمام بالقهر والغلبة ثم جاء آخر فقهره ، انعزل وصار القاهر إماما ، ولا يجوز خلع الإمام بلا سبب. ولو خلعوه لم ينفذ وإن عزل نفسه ، فإن كان لعجزه عن القيام بالأمر ، انعزل وإلا ، فلا ، ولا ينعزل الإمام بالفسق والإغماء. وينعزل بالجنون ، وبالعمى ، والصم والخرس وبالمرض الذي ينسيه العلوم.
قال إمام الحرمين : وإذا جار والى الوقت فظهر ظلمه وغشمه ، ولم يرعو لزاجر