السابع ـ أنه لا طريق إلى نقل الشريعة مدى الأيام إلا بعصمة الإمام ، إذ قد لا يوجد أهل التواتر في كل من الأحكام ، ورد بأن الظن كاف في البعض ، فيكفي الآحاد ، والقطعي إلى أهل التواتر (١) أو الإجماع (٢)).
من معظم الخلافيات مع الشيعة اشتراطهم أن يكون الإمام معصوما ، وقد عرفت معنى العصمة ، وأنها لا تنافي القدرة على المعصية ، بل ربما يستلزمها ، واحتج أصحابنا على عدم وجوب العصمة بالإجماع على إمامة أبي بكر وعمر وعثمان (رضي الله عنهم) مع الإجماع على أنهم لم تجب عصمتهم ، وإن كانوا معصومين بمعنى أنهم منذ آمنوا كان لهم ملكة اجتناب المعاصي مع التمكن منها. وحاصل هذا دعوى الإجماع على عدم اشتراط العصمة في الإمام ، وإلا فليس الإجماع على عدم وجوب عصمة الشخص كثير معنى. وقد يحتج كثير بأن العصمة مما لا سبيل للعباد إلى الاطلاع عليه. فإيجاب نصب إمام معصوم يعود إلى تكليف ما ليس في الوسع. وفي انتهاض الوجهين على الشيعة نظر. والظاهر أنه لا حاجة إلى الدليل على عدم اشتراط ، وإنما يحتاج إليه في الاشتراط. وقد احتجوا بوجوه :
الأول ـ القياس (٣) على النبوة بجامع إقامة الشريعة ، وتنفيذ الأحكام وحماية حوزة الإسلام.
ورد بأن النبي مبعوث من الله ، مقرون دعواه بالمعجزات الباهرة الدالة على عصمته من الكذب وسائر الأمور المخلة بمرتبة النبوة ، ومنصب الرسالة ، ولا كذلك الإمام ، فإن نصبه مفوض إلى العباد الذين لا سبيل لهم إلى معرفة عصمته واستقامة سريرته. فلا وجه لاشتراطها. وأيضا النبي يأتي بالشريعة التي لا علم للعباد بها إلا من جهته. فلو لم يكن معصوما عن الكذب في تبليغها والفسق في تعاطيها ، وقد لزمنا
__________________
(١) التواتر : هو الخبر الثابت على ألسنة قوم لا يتصور تواطؤهم على الكذب.
(٢) الإجماع في اللغة : العزم والاتفاق ، وفي الاصطلاح اتفاق المجتهدين من أمة محمد عليه الصلاة والسلام في عصر على أمر ديني.
(٣) القياس في اللغة : عبارة عن التقدير يقال : قست النعل بالنعل إذا قدرته وسويته ، وهو عبارة عن رد الشيء إلى نظيره ، وفي الشريعة : عبارة عن المعنى المستنبط من النص لتعدية الحكم من المنصوص عليه إلى غيره وهو الجمع بين الأصل والفرع في الحكم.