(رضي الله عنه) ولم يقل عمر (رضي الله عنه) لأبي عبيدة (رضي الله عنه) : «امدد يدك أبايعك» ولم يترك المنصوص عليه محاجة القوم ومخاصمتهم ، وادعاء الأمر له والتمسك بالنص عليه.
فإن قيل : علموا ذلك وكتموه لأغراض لهم في ذلك ، كحب الرئاسة ، والحقد على علي (رضي الله تعالى عنه) لقتله أقرباءهم وعشائرهم ، وحسدهم إياه على ما له من المناقب ، والكمالات وشدة الاختصاص بالنبي (صلىاللهعليهوسلم) وظنهم أن النص قد لحقه النسخ (١) لما رأوا من ترك كبار الصحابة العمل به ، إلى غير ذلك ، وترك علي (رضي الله عنه) المحاجة به تقية وخوفا من الأعداء وقلة وثوق بقبول الجماعة.
قلنا : من كان له حظ من الديانة والإنصاف علم قطعا براءة أصحاب رسول الله (صلىاللهعليهوسلم) وجلالة أقدارهم عن مخالفة امره في مثل هذا الخطب الجليل ، ومتابعة الهوى ، وترك الدليل ، واتباع خطوات الشيطان والضلال عن سواء السبيل ، وكيف بظن بجماعة رضي الله عنهم ، وآثرهم الله لصحبة رسوله (صلىاللهعليهوسلم) ونصرة دينه ، ووصفهم بكونهم خير أمة أخرجت للناس ، يأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر ، وقد تواتر منهم الإعراض عن متاع الدنيا وطيباتها وزخارفها ومستلذاتها ، والإقبال على بذل مهجهم وذخائرهم ، وقتل أقاربهم وعشائرهم في نصرة رسول الله ، وإقامة شريعته ، وانقياد أمره واتباع طريقته ، أنهم خالفوه قبل أن يدفنوه وتركوا هداهم ، واتبعوا هواهم ، وعدلوا عن الحق الصحيح إلى الباطل الصريح ، وخذلوا مستحقا من بني هاشم وخاص ذوي القربى إلى غاصب من بني تيم أو عدي بن كعب ، وأن مثل علي (رضي الله عنه) مع صلابته في الدين وبسالته. وشدة شكيمته وقوة عزيمته ، وعلو شأنه ، وكثرة أعوانه ، وكون أكثر المهاجرين والأنصار والرؤساء الكبار معه قد ترك حقه ، وسلم الأمر لمن لا يستحقه ، من شيخ من بني تيم ضعيف الحال ، عديم المال ، قليل الأتباع والأشياع ، ولم يقم بأمره ، وطلب حقه ، كما قام به حين أفضي
__________________
(١) النسخ في اللغة : عبارة عن التبديل والرفع والإزالة يقال : نسخت الشمس الظل أزالته ، وفي الشريعة ، هو بيان انتهاء الحكم الشرعي في حق صاحب الشرع ، وكان انتهاؤه عند الله تعالى معلوما إلا أن في علمنا كان استمراره ودوامه وبالناسخ علمنا انتهاؤه وكان في حقنا تبديلا وتغييرا.