إليه ، وقاتل من نازعه بكلتا يديه حتى فني الخلق الكثير والجم الغفير ، وآثر على التقية عن الحمية في الدين ، والعصبية للإسلام والمسلمين ، مع أن الخطب إذ ذاك أشد ، والخصم ألد. وفي أول الأمر قلوب القوم أرق ، وجانبهم أسهل ، وآراؤهم إلى اتباع الحق واجتذاب الباطل أميل ، وعهدهم بالنبي (صلىاللهعليهوسلم) أقوى ، وهمهم في تنفيذ أحكامه أرغب. ومن ادعى النص الجلي فقد طعن في كبار المهاجرين ، والأنصار عامة ، بمخالفة الحق وكتمانه ، وفي علي (رضي الله تعالى عنه) خاصة باتباعه الباطل وإذعانه بل في النبي (صلىاللهعليهوسلم) حيث اتخذ القوم أحبابا وأصحابا ، وأعوانا وأنصارا ، وأختانا ، وأصهارا ، مع علمه بحالهم في ابتدائهم ومآلهم ، بل في كتاب الله تعالى ، حيث أثنى عليهم ، وجعلهم خير أمة ، ووصفهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ومن مكابرات الروافض (١) ادعاؤهم تواتر هذا النص قرنا بعد قرنا ، مع أنه لم يشتهر فيما بين الصحابة والتابعين. ولم يثبت ممن يوثق به من المحدثين ، مع شدة ميلهم إلى أمير المؤمنين ونقلهم الأحاديث الكثيرة في مناقبه وكمالاته في أمر الدنيا والدين ، ولم ينقل عنه (رضي الله تعالى عنه) في خطبه ورسائله ومفاخره إشارة إلى ذلك. وابن جرير الطبري (٢) مع اتهامه بالتشيع لم يذكر في روايته قصة الدار هذه الزيادة التي يدعيها الشيعة وهي قوله (صلىاللهعليهوسلم) : «إنه خليفتي فيكم من بعدي» ونعم ما قال المأمون : وجدت أربعة في أربعة : الزهد في المعتزلة ، والكذب في الرافضة ، والمروءة في أصحاب الحديث ، وحب الرئاسة في أصحاب الرأي والظاهر ما ذكره المتكلمون من أن هذا المذهب أعني دعوى النص الجلي مما وضعه هشام ابن (٣) الحكم ، ونصره ابن الراوندي (٤) وأبو عيسى الوراق وأضرابهم ، ثم رواه
__________________
(١) سبق الحديث عنهم في كلمة وافية.
(٢) هو محمد بن جرير بن يزيد الطبري أبو جعفر ، المؤرخ المفسر الإمام ولد عام ٢٢٤ ه واستوطن بغداد وتوفي بها عام ٣١٠ ه عرض عليه القضاء فامتنع ، والمظالم فأبى له «أخبار الأمم والملوك وجامع البيان في تفسير القرآن» راجع الوفيات ١ : ١٥٦ وطبقات السبكي ٢ : ١٣٥ ـ ١٤٠
(٣) هو هشام بن الحكم الشيباني الكوفي ، أبو محمد ، متكلم مناظر كان شيخ الإمامية في وقته ، ولد بالكوفة ونشأ بواسط وسكن بغداد ، وانقطع إلى يحيى بن خالد البرمكي ، صنف كتبا منها الإمامية والقدر ، والشيخ والغلام ، والرد على المعتزلة في طلحة والزبير وغير ذلك راجع منهج المقال ٣٥٩ وفهرست الطوسى ١٧٤.
(٤) هو أحمد بن يحيى بن إسحاق بن الراوندي فيلسوف مجاهر بالإلحاد من سكان بغداد نسبته إلى راوند ـ