قوله :
(وقد يستدل بوجوه أخر ، تشهد للمنصف بنبوته (صلىاللهعليهوسلم) : أحدها : ما اجتمع فيه من الكمالات العلمية ، والعملية ، والنفسانية ، والبدنية ، والخارجية.
الثاني : ما اشتمل عليه شريعته من أمر الاعتقادات ، والعبادات ، والمعاملات ، والسياسات ، وغير ذلك.
الثالث : ظهور دينه على الأديان مع قلة الأنصار والأعوان ، وكثرة أهل الضلالة والعدوان.
الرابع : أنه ظهر على فترة من الرسل ، واختلال في الملك ، وانتشار الضلال واشتهار المحال ، وافتقار إلى من يجدد أمر الدين ، ويدفع في صدور الملحدين ، ويرفع لواء المتقين ، ولم يكن بهذه الصفة غيره من العالمين).
ما سبق هو العمدة في إثبات النبوة ، وإلزام الحجة على المجادل والمعاند. وقد يذكر وجوه أخر تقوية له وتتميما ، وإرشاد الطالب الحق ، وتعليما.
الأول : أنه قد اجتمع فيه من الأخلاق الحميدة ، والأوصاف الشريفة ، والسير المرضية ، والكمالات العلمية والعملية ، والمحاسن الراجعة إلى النفس والبدن والنسب والوطن ما يجزم العقل بأنه لا يجتمع إلا لنبي. وتفاصيل ذلك تصنيف على حدة.
الثاني : أن من نظر فيما اشتملت عليه شريعته مما يتعلق بالاعتقادات ، والعبادات ، والمعاملات ، والسياسات ، والآداب وعلم ما فيها من دقائق الحكمة ، علم قطعا أنها ليست إلا وضعا إلهيا ، ووحيا سماويا ، والمبعوث بها ليس إلا نبيا.
الثالث : أنه انتصب مع ضعفه وفقره وقلة أعوانه وأنصاره حربا لأهل الأرض آحادهم وأوساطهم وأكاسرتهم وجبابرتهم ، فضلل آراءهم ، وسفه أحلامهم ، وأبطل مللهم ، وهدم دولهم ، وظهر دينه على الأديان ، وزاد على مر الأعصار والأزمان ، وانتشر في الآفاق والأقطار ، وشاع في المشارق والمغارب من غير أن تقدر الأعداء مع كثرة عددهم وعددهم ، وشدة شوكتهم وشكيمتهم ، وفرط حميتهم