ليس رضاء به. بل الغرض إظهار إبطاله ، او اظهار معجزته ، ولا يتم الا به وقيل لم يكن حراما حينئذ ، وإلقاء الألواح كان عن دهشة وتحير لشدة غضبه والأخذ برأس هارون ، وجره إليه لم يكن على سبيل الإيذاء ، بل كان يدنيه الى نفسه ليتفحص منه حقيقة الحال ، فخاف هارون أن يحمله بنو إسرائيل على الإيذاء ، ويفضي إلى شماتة الأعداء ، فلم يثبت بذلك ذنب له ، ولا لهارون ، فإنه كان ينهاهم عن عبادة العجل ، وقوله للخضر : (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً) (١) أي عجبا. وما فعله الخضر كان بإذن الله تعالى.
وأما في قصة داود (عليهالسلام) ، فلم يثبت سوى أنه خطب امرأة كان خطبها أوريا ، فزوجها أولياؤها داود دون أوريا ، أو سأل أن ينزل عنها فيطلقها ، وكان ذلك عادة في عهده ، فكان زلة منه لاستغنائه بتسعة وتسعين ، والخصمان كانا ملكين أرسلهما الله تعالى إليه لينبهاه ، فلما تنبه ، استغفر ربه ، وخرّ راكعا وأناب. وسياق الآيات يدل على كرامته عند الله تعالى ، ونزاهته عما ينسبه إليه الحشوية ، إلا أنه بالغ في التضرع والتحزن والبكاء والاستغفار استعظاما للزلة بالنظر إلى ماله من رفيع المنزلة ، وتقرير الملكين تمثيل وتصوير للقصة ، لا إخبار بمضمون الكلام ، ليلزم الكذب ، ويحتاج إلى ما قيل إن المتخاصمين كانا لصين دخلا عليه للسرقة ، فلما رآهما اخترعا الدعوى. أو كانا راعيي غنم ظلم أحدهما الآخر ، والكلام على حقيقته.
وأما في قصة سليمان فأمور :
أحدها ما أشير إليه بقوله : (إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ ...) (٢) الخ.
وذلك انه اشتغل باستعراض الأفراس حتى غربت الشمس ، وغفل عن العصر ، أو عن ورد كان له وقت العشي ، فاغتمّ لذلك ، واسترد الأفراس فعقرها.
__________________
(١) سورة الكهف آية رقم ٧٤.
(٢) سورة ص آية رقم ٣١.