بغيره ، إذ الفارق هو المعجزة. ورد بما مر من الفرق بين المعجزة والكرامة.
الثاني ـ أنها لو ظهرت لكثرت كثرة الأولياء ، وخرجت عن كونها خارقة للعادة حقا. ورد بالمنع ، بل غايته استمرار نقض العادة.
الثالث ـ لو ظهرت لا لغرض التصديق لانسد باب إثبات النبوة بالمعجزة لجواز أن يكون ما يظهر من النبي لغرض آخر غير التصديق. ورد بما مر من أنها عند مقارنة الدعوى تفيد التصديق قطعا.
الرابع ـ أن مشاركة الأولياء للأنبياء في ظهور الخوارق تخل بعظم قدر الأنبياء ووقوعهم في النفوس (١) ورد بالمنع ، بل يزيد في جلالة أقدارهم ، والرغبة في اتباعهم ، حيث نالت أممهم وأتباعهم مثل هذه الدرجة ببركة الاقتداء بشريعتهم ، والاستقامة على طريقتهم.
الخامس ـ وهو في الإخبار عن المغيبات قوله تعالى : (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً. إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) (٢).
خص الرسل من بين المرتضين بالاطلاع على الغيب ، فلا يطلع غيرهم ، وإن كانوا أولياء مرتضين. فما يشاهد من الكهنة إلقاء الجن والشياطين ، ومن أصحاب التعبير والنجوم ظنون واستدلالات ربما تقع وربما لا تقع ، ليس من اطلاع الله تعالى في شيء.
والجواب أن الغيب هاهنا ليس للعموم ، بل مطلق أو معين هو وقت وقوع القيمة بقرينة السياق ولا يبعد ان يطلع عليه بعض الرسل من الملائكة أو البشر ، فيصح الاستثناء ، وإن جعل منقطعا فلا خفاء ، بل لا امتناع حينئذ في جعل الغيب للعموم
__________________
(١) النفس : هي الجوهر البخاري اللطيف ، الحامل لقوة الحياة ، والحس والحركة الإرادية ، وسماها الحكيم : الروح الحيوانية : فهي جوهر مشرق للبدن وعند الموت ينقطع ضوؤه عن ظاهر البدن وباطنه ، وأما في وقت النوم فينقطع عن ظاهر البدن دون باطنه فثبت أن النوم والموت من جنس واحد لأن الموت هو الانقطاع الكلي والنوم هو الانقطاع الناقص فثبت أن القادر الحكيم دبر تعلق جوهر النفس بالبدن على ثلاثة أضرب الأول : إذا بلغ ضوء النفس إلى جميع أجزاء البدن ظاهره وباطنه فهو اليقظة ، وإن انقطع ضوؤها عن ظاهره دون باطنه فهو النوم ، أو بالكلية فهو الموت.
(٢) سورة الجن آية رقم ٢٦ ، ٢٧.