والتابعين ، ومن بعدهم من الصالحين ، كرؤية عمر (رضي الله عنه) على المنبر جيشه بنهاوند حتى قال : يا سارية الجبل الجبل. وسمع سارية ذلك (١). وكشرب خالد (رضي الله تعالى عنه) السم من غير أن يضر به. وأما من علي (رضي الله تعالى عنه) فأكثر من أن تحصى.
وبالجملة وظهور كرامات الأولياء يكاد يلحق بظهور معجزات الأنبياء ، وإنكارها ليس بعجيب من أهل البدع والأهواء ، إذ لم يشاهدوا ذلك من أنفسهم قط ، ولم يسمعوا به من رؤسائهم الذين يزعمون أنهم على شيء مع اجتهادهم في أمور العبادات ، واجتناب السيئات ، فوقعوا في أولياء الله تعالى أصحاب الكرامات ، يمزقون أديمهم ، ويمضغون لحومهم ، لا يسمونهم إلا باسم الجهلة المتصوفة (٢) ، ولا يعدونهم إلا في عداد آحاد المبتدعة ، قاعدين تحت المثل السائر أوسعتهم سبا وأودوا بالإبل ، ولم يعرفوا أن مبنى هذا الأمر على صفاء العقيدة ، ونقاء السريرة ، واقتفاء الطريقة ، واصطفاء الحقيقة ، وإنما العجب من بعض فقهاء أهل السنة حيث قال فيما روي عن إبراهيم بن أدهم انهم رأوه بالبصرة يوم التروية ، وفي ذلك اليوم بمكة. أن من اعتقد جواز ذلك يكفر. والإنصاف ما ذكره الإمام النسفي (٣) حين سئل عما يحكى أن الكعبة كانت تزور واحدا من الأولياء ، هل يجوز القول به؟ فقال: نقض العادة على سبيل الكرامة لأهل الولاية جائز عند أهل السنة وللمخالف وجوه :
الأول ـ وهو العمدة ، أنه لو ظهرت الخوارق من الولي لالتبس النبي
__________________
(١) يقول الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ إن يكن في أمتي محدثون فعمر منهم.
(٢) التصوف : الوقوف مع الآداب الشرعية ظاهرا فيرى حكمها من الظاهر في الباطن ، وباطنا فيرى حكمها من الباطن في الظاهر فيحصل للمتأدب بالحكمين كمال. وقيل : مذهب كله جد فلا يخلطونه بشيء من الهزل ، وقيل : تصفية القلب عن موافقة البرية ، ومفارقة الأخلاق الطبيعية.
(٣) هو عمر بن محمد بن أحمد بن إسماعيل أبو حفص. نجم الدين النسفي : عالم بالتفسير والأدب ، والتاريخ ، من فقهاء الحنفية ، ولد بنسف وإليها نسبته وتوفي بسمرقند قيل له نحو مائة مصنف منها : التيسير في التفسير ، والمواقيت ، وتعداد شيوخ عمر ، والاشعار بالمختار من الأشعار «عشرون جزءا» ، ونظم الجامع الصغير في فقه الحنفية ، وقيد الأوابد ، وتاريخ بخارى ، وغير ذلك كثير توفي عام ٥٣٧ ه. راجع الفوائد البهية ١٤٩ والجواهر المضيئة ١ : ٣٩٤ ولسان الميزان ٤ : ٣٢٧ وإرشاد الأريب ٦ : ٥٣.