قلنا : ليس السحر يوجد في كل عصر وزمان ، وبكل قطر ومكان ، ولا ينفذ حكمه كل أوان ، ولا له يد في كل شأن ، والنبي معصوم من أن يهلكه الناس ، أو يوقع خللا في نبوته ، لا أن يوصل ضررا وألما إلى بدنه. ومراد الكفار بكونه مسحورا أنه مجنون أزيل عقله بالسحر ، حيث ترك دينهم.
فان قيل : قوله تعالى في قصة موسى صلىاللهعليهوسلم :
(يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى) (١)
يدل على أنه لا حقيقة للسحر ، وإنما هو تخييل وتمويه.
قلنا : يجوز أن يكون سحرهم هو إيقاع ذلك التخييل ، وقد تحقق. ولو سلم فكون أثره في تلك الصورة هو التخييل لا يدل على أنه لا حقيقة له اصلا. وأما الإصابة بالعين وهو أن يكون لبعض النفوس خاصية أنها إذا استحسنت شيئا لحقته الآفة ، فثبوتها يكاد يجري مجرى المشاهدات التي لا تفتقر إلى حجة. وقد قال النبي صلىاللهعليهوسلم : العين حق. وقال : العين يدخل الرجل القبر ، والجمل القدر. وذهب كثير من المفسرين إلى أن قوله تعالى :
(وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ ..) (٢) الآية.
نزل في ذلك ، وقالوا : كان العين في بني أسد ، وكان الرجل منهم يتجوع ثلاثة أيام ، فلا يمر به شيء يقول فيه : لم أر كاليوم ، إلّا عانه ، فالتمس الكفار من بعض من كانت له هذه الصفة ان يقول في رسول الله صلىاللهعليهوسلم ذلك فعصمه الله ، واعترض الجبائي بأن القوم ما كانوا ينظرون إلى النبي صلىاللهعليهوسلم نظر استحسان بل مقت وبغض.
والجواب : أنهم كانوا يستحسنون منه الفصاحة وكثيرا من الصفات. وإن كانوا يبغضونه من جهة الدين ، ثم للقائلين بالسحر والعين اختلاف في جواز الاستعانة بالرقى والعوذ ، وفي جواز تعليق التمائم ، وفي جواز النفث والمسح ، ولكل من
__________________
(١) سورة طه آية رقم ٦٦.
(٢) سورة القلم آية رقم ٥١.