وباطنه يوافق الظاهر فيما يتعاطاه من التزام وإعراض ، ولذلك ترى من يسبى من العبيد والإماء من بلاد الكفر إلى دار الإسلام يدينون بدينهم معتقدين وشاكرين لله على ما أتاح لهم من الرشد ورحض (١) عنهم من وضر (٢) الكفر والغىّ ، ولو سئلوا عن السبب فى تبديل الدين وإيثار الحق المبين على الباطل لم يعرفوا سببا إلا موافقة السادة على وفق مصلحة الحال ، ثم ذلك يؤثر فى باطن عقائدهم كما نرى ونشاهد ، فإذا عرف أن العامى سريع التقلب فنصدقه فى انقلابه إلى الحق كما نصدقه فى إضرابه عنه إذا ظهر من معتقده خلاف الحق ، فإنا بين أن نغضى عن كافر مستسر ولا نقتله بل نتعامى عنه ، أو نهجم على قتل مسلم ظاهرا أو باطنا إن كان مضمرا لما يظهر ، وليس فى التغاضى عن كفر كافر ليست له دعوة تنتشر وليس فيه شرّ يتعدى كبير محظور. فكم مننّا على الكفار وأغضينا عنهم ببذل الدينار! فليس ذلك ممتنعا ، أما اقتحام الخطر فى قتل من هو مسلم ظاهرا ويحتمل أن يكون مسلما باطنا احتمالا قويا ؛ فمحظور.
الحالة الثالثة : أن نظفر بواحد من دعاتهم ممن يعرف منه أنه يعتقد بطلان مذهبه ، ولكنه ينتحله غير معتقد له ليتوصل إلى استمالة الخلق وصرف وجوههم إلى نفسه طلبا للرئاسة وطمعا فى حطام الدنيا ؛ هذا هو الّذي يتقى شرّه.
والأمر فيه منوط برأى الإمام ليلاحظ قرائن أحواله ويتفرس من ظاهره فى باطنه ، ويستبين أن ما ذكره يكون إذعانا للحق واعترافا به بعد التحقق والكشف ، أو هو نفاق وتقية ، وفى قرائن الأحوال ما يدل عليه ، والأولى ألا يوجب على الإمام قتله لا محالة ولا أن يحرم قتله ، بل يفوض إلى اجتهاده ، فإن غلب على ظنه أنه سالك منهج التقية فيما أداه قتله ؛ وإن غلب على ظنه أن تنبه للحق وظهر له فساد الأقاويل المزخرفة التى كان يدعو إليها ، قبل توبته وأغضى عنه فى الحال ، وإن بقيت به ريبة وكل به من يراقب أحواله ويفتقده فى بواطن أمره ويحكم فيه بموجب ما يتضح له منه ، فهذا هو المسلك القصد القريب من الإنصاف والبعيد من التعصب والاعتساف.
__________________
(١) رحض : غسل.
(٢) وضر : وسخ وقذر.