يلحق بالبهائم فيصير إمّا غمزا كثور (١) ، وإما شرها كخنزير ، وإما ضرعا ككلب أو حقودا كجمل أو متكبرا كنمر أو ذا روغان ونفاق كثعلب ، أو يجمع ذلك فيصير كشيطان مريد. وعلى ذلك دلّ قوله تعالى : (وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ) [المائدة : ٦٠] ، وقال : (كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُ) [الفرقان : ٤٤] ، وقال (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) [الأنفال : ٢٢] ، وهذه الصفات الذميمة تجتمع فى الآدمى فى هذا العالم وهو فى صورة الإنسان ، فتكون الصفة باطنة والصورة ظاهرة ؛ وفى الآخرة تتحد الصور والصفات ، فيصور كل شخص بصفته التى كانت غالبة عليه فى حياته ، فمن غلب عليه الشر ، حشر فى صورة خنزير ، ومن غلب عليه الغضب حشر فى صورة سبع ، ومن غلب عليه الحمق حشر فى صورة حمار ، ومن غلب عليه التكبر حشر فى صورة نمر ، وهكذا جميع الصفات ، ومن غلب عليه العلم والعمل واستولى بهما على هذه الصفات حشر فى صورة الملائكة (وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) [النساء : ٦٩].
وهذه الوظائف التى ذكرناه علمية يجب التأمل فيها حتى تتمثل فى القلب فتكون نصب العين فى كل لحظة. وإنما تترسخ هذه العلوم فى النفس إذا أكّدت بالعمل كما سنذكره فى الوظائف العملية بعد.
القول فى الوظائف العملية
وهى كثيرة ، أولاها وهى من الأمور الكلية : أن كلّ من تولى عملا على المسلمين فينبغى أن يحكم نفسه فى كل قضيّة يبرمها ؛ فما لا يرتضيه لنفسه لا يرتضيه لغيره ، فالمؤمنين كنفس واحدة ، فقد روى عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «من سره أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة
__________________
(١) غمزا كثور : يضرب الأرض بحافره ؛ (يغمزها).