الباب الثالث
فى درجات حيلهم ، وسبب الاغترار بها
مع ظهور فسادها وفيه فصلان
الفصل الأول
فى درجات حيلهم
وقد نظموها على تسع درجات مرتبة ، ولكل مرتبة اسم ؛ أولها : الزرق والتفرس ، ثم التأنيس ، ثم التشكيك ، ثم التعليق ، ثم الربط ، ثم التدليس ، ثم التلبيس ، ثم الخلع ، ثم السلخ.
ولنبين الآن تفصيل كل مرتبة من هذه المراتب ، ففى الاطلاع على هذه الحيل فوائد جمة لجماهير الأمة.
أما الزرق (١) والتفرس فهو أنهم قالوا : ينبغى أن يكون الداعى فطنا ذكيا ، صحيح الحدس ، صادق الفراسة ، متفطنا للبواطن بالنظر إلى الشمائل والظواهر ، وليكن قادرا على ثلاثة أمور : (الأول) وهو أهمها : أن يميز بين من يجوز أن يطمع فى استدراجه ويوثق بلين عريكته لقبول ما يلقى إليه على خلاف معتقده. فرب رجل جمود على ما سمعه لا يمكن أن ينتزع من نفسه ما يرسخ فيه ، فلا يضيعن الداعى كلامه مع مثل هذا. وليقطع طمعه منه ؛ وليلتمس من فيه انفعال وتأثر بما يلقى إليه من الكلام ، وهم الموصوفون بالصفات التى سنذكرها فى الفصل الّذي يلى هذا الفصل. وينبغى أن نتقى ، بكل حال ، بث البذر فى السّبخ (٢) ، والدخول إلى بيت فيه
__________________
(١) الزرق : الخداع.
(٢) السبخة : واحدة السباخ وأرض سبخة : ذات ملح ونز ، لا تصلح للزرع والنماء.