السابق فإنه كان قاطعا بمثل قطعة الآن! فليت شعرى من أين يأمن الانخداع وأنه سيتنبه لأمر يتبين به أن ما يعتقده الآن باطل ، وما من ناظر إلا ويعتقد مثله مرارا ، ثم لا يزال يعتز آخرا بمعتقده الّذي يماثل سائر معتقداته التى تركها وعرف بطلانها بعد التصميم عليها والقطع بها.
(الدلالة الخامسة) وهى شرعية ، قولهم : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «ستفترق أمّتى نيفا وسبعين فرقة ، الناجية منها واحدة ، فقيل : ومن هم؟ فقال؟ أهل السنّة والجماعة.
فقيل : وما السنة والجماعة؟ قال : ما أنا الآن عليه وأصحابى» (١). قالوا : وما كانوا إلا على الاتباع والتعليم فى كل ما شجر بينهم ، وتحكيم الرسول ـ عليهالسلام ـ فيه لا على اتباع رأيهم وعقولهم. فدل أن الحق فى الاتباع ، لا فى نظر العقول.
وهذا تحرير أدلتهم على أقوى وجه فى الإيراد. وربما يعجز معظمهم عن الإتقان فى تحقيقه إلى هذا الحد.
فنقول وبالله التوفيق : الكلام عليه منهجان : جملى ، وتفصيلى.
المنهج الأول وهو الجملى
أنا نقول : هذه العقيدة التى استنتجتموها من ترتيب هذه المقدمات ، ونظمها بطريق النظر والتأمل ، فإن ادعيتم معرفتها ضرورة كنتم معاندين ، ولم يعجز خصومكم عن دعوى الضرورة فى معرفتهم بطلان مذهبكم. وإن ادعوا ذلك كانوا أقوم قيلا عند المنصف ، وإن ادعيتم إدراكها بالنظر فى ترتيب هذه المقدمات ونظمها على شكل المقاييس المنتجة فقد اعترفتم بصحة النظر العقلى ويدعى بطلانه ، فهذا الكلام مفحم له ، وكاشف عن خزايته. أو يقال له : عرفت بطلان النظر ضرورة أو نظرا؟ ولا سبيل إلى دعوى الضرورة ، فإن الضرورى ما يشترك فى معرفته ذوو العقول السليمة ، كقولنا : الكل أعظم من الجزء ، والاثنان أكبر من
__________________
(١) متفق عليه.