الواحد ، والشيء الواحد لا يكون قديما محدثا ، والشيء الواحد لا يكون فى مكانين.
وإن زعم أنه أدرك بطلان النظر بالنظر فقد تناقض كلامه ، وهذا لا مخرج منه أبد الدهر ، وهو وارد على كل باطنى يدعى معرفة شيء يختص به ، فإنه إما أن يدّعى الضرورة أو النظر أو السماع من معصوم صادق يدّعى معرفة صدقه وعصمته أيضا إما ضرورة أو نظرا ، ولا سبيل إلى دعوى الضرورة ، وفى دعوى النظر إبطال عين المذهب ، فلتتعجب من هذا التناقض البيّن وغفلة هؤلاء المغرورين عنه.
فإن قال قائل من منكرى النظر : هذا ينقلب عليكم ، إذ يقال لكم : وبم عرفتم صحة النظر؟ إن ادعيتم الضرورة اقتحمتم ما استبعدتموه ، وتورطتم فى عين ما أنكرتموه ، وإن زعمتم : أنا أدركناه نظرا ، فالنظر الّذي به الإدراك بم عرفتم صحته ، والخلاف قائم فيه؟ فإن ادعيتم معرفة ذلك بنظر ثالث لزم ذلك فى الرابع والخامس إلى غير نهاية. ـ قلنا : نعم كان هذا الكلام ينقلب إن كانت المعقولات بالموازنات اللفظية ، وليس الأمر كذلك ، فلتتأمل دقيقة الفرق ، فإنا نقول : عرفنا كون النظر العقلى دليلا إلى العلم بالمنظور فيه بسلوك طريق النظر والوصول إليه. فمن سلكه وصل ، ومن وصل عرف أن ما سلكه هو الطريق ، ومن استراب قبل السلوك فيقال : طريق رفع هذه الاسترابة السلوك.
ومثاله ما إذا سئلنا عن طريق الكعبة فدللنا على طريق معين ، فقيل لنا : من أين عرفتم كونه طريقا؟ قلنا : عرفناه بالسلوك ، بأنا سلكناه فوصلنا إلى الكعبة ، فعرفنا كونه طريقا. ومثاله الثانى : أنا إذا قيل لنا : بم عرفتم أن النظر فى الأمور الحسابية من الهندسة والمساحة وغيرها طريق إلى معرفة ما لا يعرف اضطرارا؟ ـ قلنا : سلوك طريق الحساب ، إذ سلكناه فأفادنا علما بالمنظور فيه ، فعلمنا أن نظر العقل دليل فى الحساب ، وكذلك فى العقليات : سلكنا الطريق النظرية فوصلنا إلى العلم بالمعقولات ، فعرفنا أن النظر طريق ، فهذا لا تناقض فيه. فإن قيل : وبم عرفتم أن