عنهم فى الخلع والسلخ لا يظهرونه إلا مع من بلغ الغاية القصوى بل ربما يخاطبون بالخلع من ينكرون معه السلخ فلنرجع إلى بيان أطراف المذهب.
(الطرف الأول) فى معتقدهم فى الإلهيات
وقد اتفقت أقاويل نقلة المقالات من غير تردد أنهم قائلون بإلهين (١) قديمين لا أول لوجودهما من حيث الزمان ، إلّا أن أحدهما علّة لوجود الثاني ؛ واسم العلة : السابق ، واسم المعلول : التالي ؛ وأن السابق خلق العالم بواسطة التالى ، لا بنفسه. وقد يسمى الأول : عقلا ، والثانى نفسا. ويزعمون أن الأول هو التام بالفعل ، والثانى بالإضافة إليه ناقص ، لأنه معلوله ، وربما لبسوا على العوام مستدلين بآيات من القرآن عليه ، كقوله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا) [الحجر : ٩]. و (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً) [الإنسان : ٢٣] و (نَحْنُ قَسَمْنا) [الزخرف : ٣٢] وزعموا أن هذه إشارة إلى جمع لا يصدر عن واحد (٢) ، ولذلك قال : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) [الأعلى : ١] إشارة إلى السابق من الإلهين ، فإنه الأعلى ولو لا أن معه إلها آخر له العلوّ أيضا لما انتظم إطلاق الأعلى ، وربما قالوا : الشرع سماهما باسم القلم واللوح. والأول هو القلم ، فإن القلم مفيد واللوح مستفيد متأثر ، والمفيد فوق المستفيد. وربما قالوا : اسم «التالى» : قدر فى لسان الشرع ، وهو الّذي خلق الله به العالم حيث قال : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) [القمر : ٤٩].
ثم قالوا : السابق لا يوصف بوجود ولا عدم ، فإن العدم نفى والوجود سببه ، فلا هو موجود ولا هو معدوم ، ولا هو معلوم ولا هو مجهول ، ولا هو موصوف ولا غير موصوف ، وزعموا أن جميع الأسامى منتفية عنه ، وكأنهم يتطلعون فى الجملة لنفى الصانع ؛ فإنهم لو قالوا إنه معدوم لم يقبل منهم ، بل منعوا الناس من تسميته
__________________
(١) وهذه أولى علامات الشرك ؛ وهى الثنوية عينها.
(٢) انظر وتأمل إلى تلاعبهم بالألفاظ.