موجودا ، وهو عين النفى مع تغيير العبارة ؛ لكنهم تحذقوا (١) فسمّوا هذا النفى تنزيها ، وسموا مناقضه تشبيها ، حتى تميل القلوب إلى قبوله.
ثم قالوا : العالم قديم ، أى وجوده ليس مسبوقا بعدم زماني ؛ بل حدث من السابق : التالى وهو أول مبدع ، وحدث من المبدع الأول النفس الكلية الفاشية جزئياتها فى هذه الأبدان المركبة ، وتولد من حركة النفس الحرارة ، ومن سكونها البرودة ؛ ثم تولد منهما الرطوبة واليبوسة ؛ ثم تولدت من هذه الكيفيات الاستقصات الأربع وهى : النار والهواء والماء والأرض ؛ ثم إذا امتزجت على اعتدال ناقص حدثت منها المعادن ؛ فإن زاد قربها من الاعتدال وانهدم صرفية التضاد منها تولد منها النبات ، وإن زاد تولد الحيوان ، فإن ازداد قربا تولد الإنسان ، وهو منتهى الاعتدال.
فهذا ما حكى من مذهبهم إلى أمور أخر هى أفحش مما ذكرناه لم نر تسويد البياض بنقلها ولا تبيان وجه الرد عليها لمعنيين : (أحدهما) أن المنخدعين بخداعهم وزورهم والمتدلين بحبل غرورهم فى عصرنا هذا لم يسمعوا هذا منهم ، فينكرون جميع ذلك إذا حكى من مذهبهم ، ويحدثون فى أنفسهم أن هؤلاء إنما خالفوا لأنه ليس عندهم حقيقة مذهبنا ؛ ولو عرفوها لوافقونا عليها ، فنرى أن نشتغل بالرد عليهم فيما اتفقت كلمتهم وهو إبطال الرأى والدعوة إلى التعلم من الإمام المعصوم ، فهذه عمدة معتقدهم ، وزبدة مخضهم ، فلنصرف العناية إليه ، وما عداه فمن سقم إلى هذيان ظاهر البطلان ، وإلى كفر مسترق من الثنوية والمجوس فى القول بالإلهين ، مع تبديل عبارة : «النور والظلمة» ب «السابق والتالى» ؛ ـ إلى ضلال منتزع من كلام الفلاسفة فى قولهم إن المبدأ الأول علة لوجود العقل على سبيل اللزوم عنه ، لا على سبيل القصد والاختيار ؛ وإنه حصل من ذاته بغير واسطة سواه.
نعم! يثبتون موجودات قديمة يلزم بعضها عن بعض ، ويسمونها عقولا ، ويحيلون
__________________
(١) تحذقوا : مهروا ـ ولعلها : تحذلقوا.