الباب السادس
فى الكشف عن تلبيساتهم التى زوقوها بزعمهم فى
معرض البرهان على إبطال النظر العقلى وإثبات
وجوب التعلم من الإمام المعصوم
وطريقنا أن نرتب شبههم على أقصى الإمكان ثم نكشف عن مكمن التلبيس فيها ، وآخر دعواهم أن العارف بحقائق الأشياء هو المتصدى للإمامة بمصر (١) ، وأنه يجب على كافة الخلق طاعته والتعلم منه لينالوا به سعادة الدنيا والآخرة. ودليلهم عليه قولهم : إن كل ما يتصور الخبر عنه بنفى وإثبات ففيه حق وباطل ؛ والحق واحد ، والباطل ما يقابله ، إذ ليس الكل حقا ، ولا الكل باطلا. فهذه مقدمة ، ثم تمييز الحق عن الباطل لا بدّ منه فهو أمر واجب لا يستغنى عنه أحد فى صلاح دينه ودنياه. فهذه مقدمة ثانية ، ثم درك الحق لا يخلو إما أن يعرفه الإنسان بنفسه من عقله بنظره دون تعلم ، أو يعرفه من غيره بتعلم. فهذه مقدمة ثالثة ، وإذا بطلت معرفته بطريق الاستقلال بالنظر وتحكيم العقول فيه وجب التعلم من الغير ضرورة ، ثم المعلم إما أن يشترط كونه معصوما من الخطأ والزلل مخصوصا بهذه الخاصية ، وإما أن يجوز التعلم من كل أحد. وإذا بطل التعلم من كل أحد ـ أى واحد كان ـ لكثرة القائلين المعلمين وتعارض أقوالهم ؛ ثبت وجوب التعلم من شخص مخصوص بالعصمة من سائر الناس ، ـ فهذه مقدمة رابعة. ـ ثم العالم لا يخلو : إما أن يجوز خلوه من ذلك المعصوم ، أو يستحيل خلوه ، وباطل تجويز خلوه من ذلك المعصوم ، أو يستحيل خلوه ، وباطل تجويز خلوه ، لأنه إذا ثبت أنه مدرك الحق ففى إخلاء العالم عنه تغطية الحق وحسم السبيل عن إدراكه ، وفيه فساد أمور الخلق فى الدين والدنيا ، وهو عين الظلم المناقض للحكمة ، فلا يجوز ذلك من الله
__________________
(١) يقصد الإمامة الفاطمية ؛ وأشهرهم على الإطلاق الحاكم بأمر الله ؛ وهو الّذي عناه الإمام الغزالى.