متانة الدين ونقاية الرأى وممارسة الخطوب ومقاساة الشدائد فى طوارق الأيام ، ورزانة العقل والعطف على الخلق والتلطف بالرعية ، وبمجموع هذين الأمرين يفهم مطلوب الكفاية ، فإن مقصودها إقامة تناظم الأمور الدينية والدنيوية ، وهذه قضية يستدل على وجودها بمشاهدة الأحوال والأفعال ، فلينظر المنصف كيف عالج معضلات الزمان بحسن رأيه ، لما استأثر الله بروح الإمام المقتدى وأمتع كافة الخلق بالإمامة الزاهرة المستظهرية ، وقد وافق وفاته إحداق العساكر بمدينة السلام وازدحام أصناف الجند على حافتها ، والزمان زمان الفترة ، والدنيا طافحة بالمحن متموّجة بالفتن ، والسيوف مسلولة فى أقطار الأرض ، والاضطراب عامّ فى سائر البلاد لا يسكن فيها أوار الحرب ، ولا تنفكّ عن الطعن والضرب ؛ وامتدت أطماع الجند إلى الذخائر ففغروا أفواههم نحو الخزائن ، وكان يتداعى إلى تغيير الضمائر وثور الأحقاد والضغائن ، فلم يزل بدهائه وذكائه وحسن نظره ورأيه مراعيا لنظام الأمر ، مترددا بين اللطف والعنف حتى انعقدت البيعة وانتشرت الطاعة ، وأذعنت الرقاب واتسقت الأسباب وانطفأت الفتن الثائرة وظلّ ظلّ الخلافة بحسن تدبيره وبرأى وزيره ممدودا ، وأصبح لواء النصر بحسن مساعية معقودا ، وطريق الفساد بهيبته مسدودا ، وأضحت الرعايا فى رعايته وادعة ، وصارت عين الحوادث بحسن كلاءته عن مدينة السلام هاجعة ، فليت شعرى هل تكسب مثل هذه العظائم إلا بكمال الكفاية ونباهة الحزم والهداية! وهل يستدل على كفاية الملوك بشيء سوى انتظام التدبير وحسن الرأى فى اختيار المشير والوزير؟! فليس يعتبر فى صحّة الإمامة من صفة الكفاية إلا ما يسر الله سبحانه له أضعاف ذلك ، فليقطع بوجود هذه الشريطة أيضا مضمومة إلى سائر الشرائط.
القول فى الصفة الثالثة
وهى : الورع
وهذه هى أعزّ الصفات وأجلّها وأولاها بالرعايات ، وأجدرها وهو وصف ذاتى لا يمكن استعارته ولا والوصل إلى تحصيله من جهة الغير ؛ أما النجدة فتحصيلها