والتقىّ فى أرجوحة الهوى يغلب تارة ويعجز تارة ، والشيطان ليس يفتر عن الوساوس ، والزلات تجرى على الأنفاس ؛ فكيف يتخلص البشر عن اقتحام محظور والتورط فى محظور!؟ ولذلك قال الشافعى ـ رضى الله عنه ـ فى شرط عدالة الشهادة : لا يعرف أحد بمحض الطاعة حتى لا يتضمخ (١) بمعصية ؛ ولا أحد بمحض المعصية حتى لا يقدم على طاعة ، ولا ينفك أحد عن تخليط ؛ ولكن من غلبت الطاعات فى حقه المعاصى ، وكانت تسوؤه سيئته وتسره حسنته فهو مقبول الشهادة ؛ ولسنا نشترط فى عدالة القضاء إلا ما نشترطه فى الشهادة ، ولا نشترط فى الإمامة إلا ما نشترطه فى القضاء ، وهذا ذكرناه إذا لج ملاح أو ألح ملحّ ولازم اللدد فى تصوير أمر من الأمور لا يوافق ظاهر الشرع ، وإرادته الطعن فى الإمامة والقدح فيها ، عرف أن ذلك غير قادح فى أصل الإمامة بحال من الأحوال.
القول فى الصفة الرابعة
وهى العلم
فإن قال قائل : اتفق رأى العلماء على أن الإمامة لا تنعقد إلا لمن نال رتبة الاجتهاد والفتوى فى علوم الشرع ، ولا يمكنكم دعوى وجود هذه الشريطة ، ولو ادعيتم أن ذلك لا يشترط كان انسلالا عن وفاق العلماء قاطبة ، فما رأيكم فى هذه الصفة؟
قلنا : لو ذهب ذاهب إلى أن بلوغ درجة الاجتهاد لا يشترط فى الإمامة لم يكن فى كلامه إلا الإعزاب (٢) عن العلماء الماضين ، وإلا فليس فيه ما يخالف مقتضى الدليل وسياق النظر ، فإن الشروط التى تدعى للإمامة شرعا لا بدّ من دليل يدلّ
__________________
(١) يتضمخ : يتلطّخ.
(٢) الإعزاب : الاعتزال والابتعاد.