عليها ، والدليل إما نص من صاحب الشرع ، وإما النظر فى المصلحة التى طلبت الإمامة لها ولم يرد النص من شرائط الإمامة فى شيء إلا فى النسب إذ قال : «إن الأئمة من قريش»! (١) ، فأما ما عداه فإنما أخذ من الضرورة والحاجة الماسة فى مقصود الإمامة إليها ، فهذا كما شرطنا : العقل ، والحرية ، وسلامة الحواس ، والهداية ، والنجدة ، والورع ، فإن هذه الأمور لو قدر عدمها لم ينتظم أمر الإمامة بحال من الأحوال. وليست رتبة الاجتهاد مما لا بدّ منه فى الإمامة ضرورة ، بل الورع الداعى إلى مراجعة أهل العلم فيه كاف ، فإذا كان المقصود ترتيب الإمامة على وفق الشرع فأىّ فرق بين أن يعرف حكم الشرع بنظره ، أو يعرفه باتباع أفضل أهل زمانه؟! وإذا جاز للمجتهد أن يعوّل على قول واحد ، ويروى له حديثا فيحكم به ، إماما كان أو قاضيا ، فما المانع من أن يحكم بما يتفق عليه العلماء فى كل واقعة؟ وإن اختلف فيتبع فيه قول الأفضل الأعلم ، ولم لا يكون مكملا بأفضل أهل الزمان مقصود العلم ، كما كمّل بأقوى أهل الزمان مقصود الشوكة ، وبأدهى أهل الزمان وأكفاهم رأيا ونظرا مقصود الكفاية ، فلا تزال دولته محفوفة بملك من الملوك قوىّ يمدّه بشوكته ، وكاف من كفاة الزمان يتصدى لوزارته فيمده برأيه وهدايته ، وعالم مقدم فى العلوم يفيض ما يلوح من قضايا الشرع فى كل واقعة إلى حضرته ، هذا لو قال به قائل لكان مستمدا من قواطع الأدلة والبراهين التى يجوز استعمالها فى مظانّ القطع واليقين ، فكيف فى مواقع الظن والتخمين!
وأكثر مسائل الإمامة وأحكامها مسائل فقهية ظنية يحكم فيها بموجب الرأى الأغلب. وما ذكرته مسلك واضح فيه ، ولكنى لا أوثر الإعزاب عن الماضين ولا الانحراف عن جادة الأئمة المنقرضين ، فإن الانفراد بالرأى والانسلال عن موافقة الجماهير لا ينفك عن إثارة نفرة القلوب ، لكنى أستميح مسلكا مقتبسا من كلام الأئمة المذكورين وأقول :
__________________
(١) متفق عليه.