اختلف الناس فى أن أهل الاختيار لو عقدوا عقد البيعة للمفضول وأعرضوا عن الأفضل هل تنعقد الإمامة مع الاتفاق على أن تقديم الأفضل عند القدرة واجب متعين؟ ثم ذهب الأكثرون إلى أنها إذا عقدت للمفضول مع حضور الأفضل انعقدت ولم يجز خلعه لسبب الأفضل ، وأنا من هذا أنشئ وأقول : إن رددناها فى مبدأ التولية بين مجتهد فى علوم الشرع وبين متقاصر عنها فيتعين تقديم المجتهد لأن اتباع الناظر علم نفسه له مزيّة رتبة على اتباع علم غيره بالتقليد. والمزايا لا سبيل إلى إهمالها مع القدرة على مراعاتها ، أمّا إذا انعقدت الإمامة بالبيعة أو تولية العهد لمنفك عن رتبة الاجتهاد ، وقامت له شوكة وأذعنت له الرقاب ، ومالت إليه القلوب ، فإن خلا الزمان عن قرشى مجتهد يستجمع جميع الشروط وجب الاستمرار على الإمامة المعقودة إن قامت له الشوكة ، وهذا حكم زماننا ، وإن قدر ضربا للمثل حضور قرشى مجتهد مستجمع للورع والكفاية وجميع شرائط الإمامة واحتاج المسلمون فى خلع الأول إلى تعرض لإثارة فتن واضطراب أمور لم يجز لهم خلعه والاستبدال به ، بل تجب عليهم الطاعة والحكم بنفوذ ولايته وصحة إمامته ، لأنّا نعلم بأن العلم مزية روعيت فى الإمامة تحسينا للأمر وتحصيلا لمزيد المصلحة فى الاستقلال بالنظر والاستغناء عن التقليد ، وإن الثمرة المطلوبة من الإمامة تطفئة الفتن الثائرة فى تفرق الآراء المتنافرة ، فكيف يستجيز العاقل تحريك الفتنة وتشويش نظام الأمور وتفويت أصل المصلحة فى الحال تشوّفا إلى مزيد دقيقة فى الفرق بين النظر والتقليد! وعند هذا ينبغى أن يقيس الإنسان ما ينال الخلق بسبب عدول الإمام عن النظر إلى تقليد الأئمة بما ينالهم لو تعرضوا لخلعه واستبداله أو حكموا إمامته غير منعقدة ، وإذا أحسن إيراد هذه المقالة علم أن التفاوت بين اتّباع الشرع نظرا واتّباعه تقليدا قريب هين ، وأنه لا يجوز أن تخرم بسببه قواعد الإمامة. وهذا تقدير تسامحنا به من وجهين :
أحدهما : تقدير قرشى مجتهد مستجمع الصفات متصد لطلب الإمامة ، وهذا لا وجود له فى عصرنا.