الفصل الثانى
فى إبطال قولهم إن الإمام لا بدّ أن يكون معصوما من
الخطأ والزلل والصغائر والكبائر
فنقول لهم : وبما ذا عرفتم صحة كونه معصوما ووجود عصمته؟ أبضرورة العقل أو بنظره أو سماع خبر متواتر عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم يورث العلم الضرورى؟ ولا سبيل إلى دعوى الضرورة ، ولا إلى دعوى الخبر المتواتر المفيد للعلم الضرورى ، لأن كافة الخلق تشترك فى دركه (١). وكيف يدعى ذلك وأصل وجود الإمام لا يعرف ضرورة ، بل نازع منازعون فيه ، فكيف تعلم عصمته ضرورة ، وإن ادعيتم ذلك بنظر العقل فنظر العقل عندكم باطل. وإن سمعتم من قول إمامكم أن العصمة واجبة للإمام فلم صدقتموه قبل معرفة عصمته بدليل آخر؟ وكيف يجوز أن تعرف إمامته وعصمته بمجرد قوله؟
على أن نقول : أىّ نظر عرفكم وجوب عصمة الإمام؟ فلا بد من الكشف عنه فإن قيل : الدليل عليه وجوب الاتفاق على كون النبي صلىاللهعليهوسلم معصوما ، ولم نحكم بوجوب عصمته ، إلا لأنا بواسطته نعرف الحق ومنه نتلقفه ونستفيده. ولو جوزنا عليه الخطأ والمعصية سقطت الثقة بقوله. فما من قول يصدر عنه إلا ونتصور أن يقال : لعله أخطأ فيه ، أو تعمد الكذب ، فإن المعصية ليست مستحيلة عليه وذلك مما لا وجه له ـ فكذلك الإمام منه نتلقّى الحق ، وإليه نرجع فى المشكلات كما كنا نرجع إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فإنه خليفته وبه نستضىء فى مشكلات التأويل والتنزيل وأحوال القيامة والحشر والنشر. فإن لم تثبت عصمته فكيف يوثق به؟
قلنا : مثار غلطكم ظنكم أنّا نحتاج إلى الإمام لنستفيد منه العلوم ، ونصدّقه فيها. وليس كذلك ، فإن العلوم منقسمة إلى عقلية وسمعية. أما العقلية فتنقسم إلى قطعية
__________________
(١) دركه : إدراكه.