وظنية ولكل واحد من القطع والظن مسلك يفضى إليه ويدل عليه. وتعلم ذلك ممن يعلمه ، ولو من أفسق الخلق ، ممكن ، فإنه لا تقليد فيه ، وإنما المتبع وجه الدليل. وأما السمعيات فمسندها سماع : إما متواتر ، وإما آحاد ، والمتواتر تشترك الكافة فى دركه ، ولا فرق بين الإمام وبين غيره ؛ والآحاد لا تفيد إلا ظنا ، سواء كان المبلغ إليه أو المبلغ الإمام أو غيره. والعمل بالظن فيما يتعلق بالعمليات واجب شرعا ، والوصول إلى العلم فيه ليس بشرط ، ولذلك يجب عندهم تصديق الدعاة المنتشرين فى أقطار الأرض ، مع أنه لا عصمة لهم أصلا ، وكذلك كان ولاة رسول الله صلىاللهعليهوسلم فى زمانه ، فإذا لا حاجة إلى عصمة الإمام ، فإن العلوم يشترك فى تحصيلها الكل. والإمام لا يولد عالما ولا يوحى إليه ، ولكنه متعلم. وطريق تعلم غيره كتعليمه ، من غير فرق.
فإن قيل : فلما ذا نحتاج إلى الإمام إذ كان يستغنى عنه فى التعليم؟ قلنا : ولما ذا يحتاج فى كل بلد إلى قاض؟ وهل يدل الاحتياج إليه على أنه لا بدّ أن يكون معصوما؟ فيقولون ؛ إنما نحتاج إليه لدفع الخصومات ، وجمع شتات الأمور ، وجزم القول فى المجتهدات ، وإقامة حدود الله تعالى ، واستيفاء حقوقه وصرفها إلى مستحقيها إذ لا سبيل إلى تعطيلها ، ولا سبيل إلى تفويضها إلى كافة الخلق فيتزاحمون عليها متقاتلين ويتكاسلون عنها متواكلين ومتخاذلين ، فتعطل الأمور ؛ فجملة الدنيا فى حق الإمام كبلدة واحدة فى حق القاضى ، فكما يستغنى عن عصمة القاضى فى البلد ويحتاج إلى قضائه فكذلك يستغنى عن عصمة الإمام ويحتاج إليه كما يحتاج إلى القضاة ولأمور أخر كلية سياسية : من حراسة الإسلام ، والذب عن بيضته (١) والنضال دون حوزته ، وحشد العساكر والجنود إلى أهل الطغيان والعناد ، وتطهير وجه الأرض عن الطغاة والبغاة والساعين فى الأرض بالفساد وملاحظة أطراف البلاد بالعين الكالئة ، حتى إذا ثارت فتنة بادر إلى الأمر بتطفئتها ، وإذا نبغت
__________________
(١) بيضة القوم : حوزتهم وحماهم ؛ الذب عن بيضته : الدفاع عن حماه.