الباب العاشر
الوظائف الدينية التى بالمواظبة عليها
يدوم استحقاق الإمامة
ومن فرائض الدين على أمير المؤمنين زاده الله توفيقا المداومة على مطالعة هذا الباب والاستقصاء على تأمله وتصفحه ومطالبة النفس الكريمة حتى تستمر عليه ، فإن ساعد التوفيق للمجاهدة فى الاقتدار على وظيفة من هذه الوظائف ولو فى سنة فهى السعادة القصوى ، وهذه الوظائف بعضها علمية ، وبعضها عملية ، فتقدم العلمية ، فإن العلم هو الأصل ، والعمل فرع له ، إذ العلوم لا حصر لها ؛ ولكنا نذكر أربعة أمور هن أمهات وأصول :
الأول : أن يعرف أن الإنسان فى هذا العالم لم خلق ، وإلى أى مقصد وجّه ولأى مطلب رشّح؟ وليس يخفى على ذى بصيرة أن هذه الدار ليست دار مقرّ ، وإنما هى دار ممر ؛ والناس فيها على صورة المسافرين ، ومبدأ سفرهم بطون أمهاتهم ، والدار الآخرة مقصد سفرهم ، وزمان الحياة مقدار المسافة ، وسنوه (١) منازله ، وشهوره فراسخه وأيامه أمياله ، وأنفاسه خطاه ، ويصار بهم عبر السفينة براكبها ، ولكل شخص عند الله عمر مقدر لا يزيد ولا ينقص ، ولهذا قال عيسى صلوات الله عليه وسلامه : «الدنيا قنطرة فاعبروها ولا تعمروها» وقد دعى الخلق إلى لقاء الله فى دار السلام وسعادة الأبد ، فقال الله تعالى : (وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ) [يونس : ٢٥] ، وهذا السفر لا يفضى إلى المقصد إلا بزاد وهو التقوى ؛ ولذلك قال الله تعالى : (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى) [البقرة : ١٩٧] ، فمن لم يتزود فى دنياه لآخرته بالمواظبة على العبادة فسيرجع منه عند الموت ما اغتر من جسده وماله فيتحسر حيث لا يغنيه التحسر ويقول : (يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ
__________________
(١) سنوه : سنيه وأعوامه.