الْمُؤْمِنِينَ) [الأنعام : ٢٧] ، ويقول : (فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) [الأعراف : ٥٣] ، فحينئذ (لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً) [الأنعام : ٦]. وهذا الإنسان من وجه آخر فى دنياه حارث ، وعمله حرثه ودنياه محترثه ، ووقت الموت وقت حصاده ، ولذلك قال صلىاللهعليهوسلم : «الدنيا مزرعة الآخرة ، وإنما البذر هو العمر» فمن انقضى عليه نفس من أنفاسه ولم يعبد الله فيه بطاعة فهو مغبون لضياع ذلك النفس ، فإنه لا يعود قط ، ومثال الإنسان فى عمره مثال رجل كان يبيع الثلج وقت الصيف ولم تكن له بضاعة سواه ، فكان ينادى ويقول : ارحموا من رأس ماله يذوب ، فرأس مال الإنسان عمره الّذي هو وقت طاعته ، وإنه ليذوب على الدوام ، فكلما زاد سنّه نقص بقية عمره ، فزيادته نقصانه على التحقيق ، ومن لم ينتهز فى أنفاسه حتى يقتنص بها الطاعات كلها كان مغبونا ، ولذلك قال صلىاللهعليهوسلم : «من استوى يوماه فهو مغبون ، ومن كان يومه شرّا من أمسه فهو ملعون». فكل من صرف عمره إلى دنياه فقد خاب سعيه وضاع عمله كما قال الله تعالى : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ) [هود : ١٥] الآية ؛ ومن عمل لآخرته فهو الّذي أنجح سعيه كما قال تعالى : (وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) [الإسراء : ١٩].
الوظيفة الثانية : أنه مهما عرف أن زاد السفر إلى الآخرة التقوى فليعلم أن التقوى محلها ومنبعها القلب لقوله صلىاللهعليهوسلم : «التقوى هاهنا» (١) ، وأشار إلى صدره ، وينبغى أن يكون الاجتهاد فى إصلاح القلب أولا ، إذ صلاح الجوارح تابع له ، لقوله صلىاللهعليهوسلم : «إن فى بدن ابن آدم لبضعة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد ، وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد ، ألا وهى القلب» (٢) ، وإصلاح القلب شرطه تقدّم تطهيره عليه ،
__________________
(١) متفق عليه.
(٢) رواه مسلم وأبو داود.