السلام بأموال استفرغ فيها الخزائن ، وأفاض عليهم من ضروب التشريفات والإنعام ما يخلد ذكره على مكرّ الأيام والأعوام.
الجهة الثانية : علماء الدين وفقهاء المسلمين القائمون بعلوم الشريعة ، فإنهم حرّاس الدين بالدليل والبرهان ، كما أن الجنود حرّاسه بالسيف والسنان ، وما من واحد منهم إلا وهو مكفى من جهته برسم وإدرار ، ومخصوص بإنعام وإيثار ، والمستحق لهم أيضا على بيت المال قدر الكفاية ، وهو مبذول لكل من يتشبّه بأهل العلم ، فضلا عمّن يتحلى بتحقيقه.
الجهة الثالثة : محاويج الخلق الذين قصرت بهم ضرورة الحال وطوارق الزمان عن اكتساب قدر الكفاية. وليس ينتهى إليه الخبر فى حاجة إلّا سدّها ، ولا يرتفع إليه قصد ذى فاقة إلّا تداركها ، ومواظبته على الصدقات فى نوب متواليات فى السر والعلانية كافية جميع الحاجات.
الجهة الرابعة : المصالح العامة من عمارة الرباطات والقناطر والمساجد والمدارس ، فيصرف لا محالة إلى هذه الجهة عند الحاجة قدر من بيت مال المسلمين ، فلا ترى هذه المواضع فى أيامه إلا معمورة وملحوظة بالتعاهد من القوام بها والمتكفلين لها ، وهذا وجه الدخل والخرج.
ونختم الكلام بما يقطع مادّة الخصام وتبين فيه غاية الإنصاف فنقول : لا يظنن ظان أنا نشترط فى الإمامة العصمة ، فإن العلماء اختلفوا فى حصولها للأنبياء ، والأكثرون على أنهم لم يعصموا من الصغائر ، ولو اعتبرت العصمة من كل زلة لتعذرت الولايات وانعزلت القضاة ، وبطلت الإمامة ، وكيف يحكم باشتراط التنقى من كل معصية والاستمرار على سمت التقوى من غير عدول ، ومعلوم أن الجبلات متقاضية للّذات ، والطباع محرضة على نيل الشهوات ، والتكاليف يتضمنها من العناء ما يتقاعد عن احتمالها الأقوياء ، ووساوس الشيطان وهواجس النفس مستحثة على حب العاجلة واستحقار الآجلة ، والجبلة الإنسانية بالسوء أمارة ،