سراج ـ يعنى به الزجر عن دعوة العباسية ـ مد الله دولتهم إرغاما لأنوف أعدائها فإن ذلك لا ينغرس أبد الدهر فى نفوسهم ، كما لا ينغرس البذر فى الأرض السبخة بزعمهم ؛ ويزجرون أيضا عن دعوة الأذكياء من الفضلاء وذوى البصائر بطرق الجدال ومكامن الاحتيال ، وبه يعنون الزجر عن بيت فيه سراج.
(الثانى) أن يكون مشتعل الحدس ، ذكى الخاطر فى تعبير الظواهر وردها إلى البواطن ؛ إما اشتقاقا من لفظها ، أو تلقيا من عددها ، أو تشبيها لها بما يناسبها.
وبالجملة فإذا لم يقبل المستجيب منه تكذيب القرآن والسنة فينبغى أن يستخرج من قلبه معناه ، الّذي فهمه ، ويترك معه اللفظ منزلا على معنى يناسب هذه البدعة ، فإنه لو شافهه بالتكذيب لم يقبل منه.
(الثالث) ـ من الزرق والتفرس ـ ألا يدعو كل أحد إلى مسلك واحد ، بل يبحث أولا عن معتقده وما إليه ميله فى طبعه ومذهبه ؛ فأما طبعه فإن رآه مائلا إلى الزهد والتقشف والتقوى والتنظف دعاه إلى الطاعة والانقياد واتباع الأمر من المطاع وزجره عن اتباع الشهوات ، وندبه إلى وظائف العبادات ، وتأدية الأمانات من الصدق وحسن المعاملة والأخلاق الحسنة ، وخفض الجناح لذوى الحاجات ، ولزوم الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ؛ وان كان طبعه مائلا إلى المجون والخلاعة قرر فى نفسه أن العبادة بله وأن الورع حماقة ، وأن هؤلاء المعذبين بالتكاليف مثالهم مثل الحمر المعناة بالأحمال الثقيلة ؛ وإنما الفطنة فى اتباع الشهوة ونيل اللذة وقضاء الوطر من هذه الدنيا المنقضية التى لا سبيل إلى تلافى لذاتها عند انقضاء العمر.
وأما حال المدعو من حيث المذهب فإن كان من الشيعة فلنفاتحه بأن الأمر كله فى بغض بنى تيم (١) وبنى عدى (٢) وبنى أمية (٣) وبنى العباس (٤) وأشياعهم ، وفى
__________________
(١) بنو تيم : عشيرة أبي بكر رضى الله عنه ، فهو تيمي.
(٢) بنو عدى : عشيرة عمر رضى الله عنه ، ويقال عدوى.
(٣) بنو أمية بن عبد شمس ـ الأمويون ـ.
(٤) بنو العباس بن عبد المطلب ـ الهاشمى ـ.