التبرى منهم ومن أتباعهم ، وفى تولى الأئمة الصالحين وفى انتظار خروج المهدي ؛ وإن كان المدعو ناصبيا ذكر له أن الأمة إنما أجمعت على أبى بكر وعمر ، ولا يقدم إلا من قدمته الأمة ؛ حتى إذا اطمأن إليه قلبه ابتدأ بعد ذلك يبث الأسرار على سبيل الاستدراج المذكور بعد ؛ وكذلك إن كان من اليهود والمجوس والنصارى حاوره بما يضاهى مذهبهم من معتقداته ، فإن معتقد الدعاة ملتقط من فنون البدع والكفر ، فلا نوع من البدعة إلا وقد اختاروا منه شيئا ، ليسهل عليهم بذلك مخاطبة تلك الفرق على ما سنحكى من مذهبهم.
أما حيلة «التأنيس» فهو أن يوافق كل من هم بدعوته فى أفعال يتعاطاها هو ومن تميل إليه نفسه وأول ما يفعل الأنس بالمشاهدة على ما يوافق اعتقاد المدعو فى شرعه ؛ وقد رسموا للدعاة والمأذونين أن يجعلوا مبيتهم كل ليلة عند واحد من المستجيبين ، ويجتهدون فى استصحاب من له صوت طيب فى قراءة القرآن ليقرأ عندهم زمانا ، ثم يتبع الداعى ذلك كله بشيء من الكلام الرقيق وأطراف من المواعظ اللطيفة الآخذة بمجامع القلوب ؛ ثم يردف ذلك بالطعن فى السلاطين وعلماء الزمان وجهال العوام ، ويذكر أن الفرج منتظر من كل ذلك ببركة أهل بيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو فيما بين ذلك يبكى أحيانا ويتنفس الصعداء.
وإذا ذكر آية أو خبرا ذكر أن لله سرا فى كلماته لا يطلع عليه إلا من اجتباه الله من خلقه وميزه بمزيد لطفه ، فإن قدر على أن يتهجد بالليل مصلّيا وباكيا عند غيبة صاحب البيت بحيث يطّلع عليه صاحب البيت ، ثم إذا أحسّ بأنه اطلع عليه عاد إلى مبيته واضطجع كالذى يقصد إخفاء عبادته ، وكل ذلك ليستحكم الأنس به ويميل القلب إلى الإصغاء إلى كلامه ، فهذه هى مرتبة التأنيس.
وأما حيلة «التشكيك» فمعناه أن الداعى ينبغى له بعد التأنيس أن يجتهد فى تغيير اعتقاد المستجيب بأن يزلزل عقيدته فيما هو مصمم عليه.
وسبيله أن يبتدئه بالسؤال عن الحكمة فى مقررات الشرائع وغوامض (١)
__________________
(١) غوامض المسائل : عويصها.