الإنسان كفرسه ، وغضبه ككلبه ، فإن كان الفارس حاذقا والفرس مروضا والكلب مؤدّبا ومعلما فهو قمين بإدراك حاجته من الصيد ، ومتى كان الفارس أخرق وفرسه جموحا أو حرونا وكلبه عقورا فلا فرسه ينبعث تحته منقادا ، ولا كلبه يسترسل بإشارته مطيعا ، فهو قمين أن يعطب ، فضلا أن يدرك ما طلب.
ومهما جاهد الإنسان فيها هواه ، فله ثلاثة أحوال : الأول : أن يغلبه الهوى فيتبعه ويعرض عن الشرع كما قال الله تعالى : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) [الجاثية : ٢٣] ؛ الثانى : أن يغالبه فيقهره مرة ويقهره الهوى أخرى ، فله أجر المجاهدين ، وهو المراد بقوله صلىاللهعليهوسلم : «جاهدوا هواكم كما تجاهدوا أعداءكم» (١) ؛ الثالث : أن يغلب هواه ككثير من الأنبياء وصفوة الأولياء ، لقوله صلىاللهعليهوسلم : «ما من أحد إلا وله شيطان ، وإن الله قد أعاننى على شيطانى حتى ملكته» (٢). وعلى الجملة فالشيطان يتسلط على الإنسان بحسب وجود الهوى فيه ، وإنما مثلت الشهوة بالفرس والغضب بالكلب لأنه لولاهما لما تصورت العبادة المؤدية إلى سعادة الآخرة ، فإن الإنسان يحتاج فى عبادته إلى بدنه ولا قيام إلا بالقوت ، ولا يقدر على الاقتيات إلا بشهوة ، وهو محتاج إلى أن يحرس نفسه عن الهلكات بدفعها ؛ ولا يدفع المؤذى إلا بداعية الغضب ، فكأنهما خادمان لبقاء البدن ؛ والبدن مركب النفس ، وبواستطهما يصل إلى العبادة ، والعبادة طريقه إلى النجاة.
الوظيفة الرابعة : أن يعرف أن الإنسان مركّب من صفات ملكية وصفات بهيمية ، فهو حيران بين الملك والبهيمة ، فمشابهته للملك بالعلم والعبادة والعفة والعدالة والصفات المحمودة ؛ ومشابهته للبهائم بالشهوة والغضب والحقد والصفات المذمومة. فمن صرف همته إلى العلم والعمل والعبادة فخليق أن يلحق بالملائكة فيسمى ملكا وربانيا كما قال تعالى : (إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ) [يوسف : ٣١]. ومن صرف همته إلى اتباع الشهوات واللذات البدنية يأكل كما تأكل البهائم فخليق أن
__________________
(١) رواه ابن ماجة والبيهقى.
(٢) رواه البخارى ومسلم.