ونظيرُه قولُهم أهلك الناسَ الدينارُ والدِّرهمُ وكَثُر الشاءُ والبعير ليس المراد درهما بعينه ولكن المعنى أهلكهم هذا النوعُ وكَثُرَ هذا النوع فقد تبين أن القصد فى التعريف انما هو الاشارة الى ما يثبت فى النفوس فليس الدرهم فى هذا ونحوه كدرهم واحد قد عَهِدْتَه محسوسا ثم أَشَرْتَ اليه بعدُ لأن معرفة كُلِّية النوع بالحِسِّ ممتنعة وانما يُعلَم به بعضُ الاشخاص فهذا الفرق بين تعريف الشخص وتعريف النوع «هذا شئ عَرَضَ» ثم نعود الى لفظ الانسان فنقول ومما يدل على أنه يقع للمؤنث قول الشاعر
ألا أيُّها البيتانِ بالأجرع الذى |
|
بأسفل ... غَضًى وكَثِيب |
.......................(١) |
|
من الناس إنسانٌ لدىّ حبيب |
فهذا قد أوقعه على المؤنث .... انسان عندى مشتق من أنس وذلك أن أُنْسَ الارض وتَجَمُّلَها وبهاءَها انما هو بهذا النوع الشريف اللطيف المُعْتَمِرِ لها والمَعْنِىِّ بها فوزنه على هذا فِعْلان وقد ذهب بعضهم الى أنه إفْعِلَانٌ من نَسِىَ لقوله تعالى (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ) ولو كان كذلك لكان إنْسِيَانًا ولم تحذف الياء منه لأنه ليس هنالك ما يُسْقِطُها فأما قولهم أناسِىّ فجمع انسان شابهت النونُ الالَف لما فيها من الخفاء فخرج جمع انسان علَى شكل جمعِ حرْباء وأصلها أنَاسِينُ وليس أَنَاسِىُّ جمعَ إنْسِىٍ كما ذهب اليه بعضهم لدلالة ما ورد عنهم من قول رويشد أنشده أبو الفتح عثمان بن جنى النحوى
أهْلاً بأهلٍ وبَيْتاً مِثْلَ بيتِكُمُ |
|
وبالأناسِينِ أبدالَ الأناسِينِ |
قال ياء أناسىّ الثانيةُ بدلٌ من هذه النون ولا تكون نون أناسِين هذه بدلا من ياء أناسىّ كما كانت نون أثانين بدلا من ياء أثانىّ جمع أثناء التى هى جمع الاثْنِ بمعنى الاثْنَيْن لان معنى الأثانين ولفظها من باب ثنيت والياء هنا لامٌ البَتَّة فَهىَ ثمَّ ثابتةٌ وليستَ أناسِينُ مما لامه حَرْفُ عِلَّة وانما الواحد إنسان فهو إذْنَ كضِبْعانٍ وضَبَاعِين وسِرْحانٍ وسَرَاحِين ولا يكون إنسان جمع إنسى لان الله سحانه قال (وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً) ....
بنى آدم ...
ان ... منه بانسى ...
انسان ... جميعا من بنى آدم ... وانسى قد يكون لغيرهم على ما أَرَيْتُك فقولهم إنسِىّ ... أى الانسان على غير قياس أو على حذف الزائد
__________________
(١) بياض بالأصل في عدة مواضع من هذه الصحيفة كما ترى