والاشارةِ مَقامَ جارحةِ ابنِ آدمَ فى الاشارةِ بها للمُواضَعةِ وكما أنّ الانسانَ أيضا قد يَجُوزُ اذا أرادَ المُواضَعةَ أن يُشِيرَ بغيرِ جُزْءٍ من جِسْمِه بل بجوهرٍ آخَرَ كالقَضِيبِ ونحوِه الى المُرادِ الُمتواضَعِ عليه فيُقِيمَه فى ذلك مَقامَ يَدِه وسائِر جَوارحِه المُشارِ بها كالحاجبِ والعينِ لو أرادَ الايماءَ بهما نحوَ الشىءِ وقد عُورِضَ أحدُهم بهذا القول فوقَع عليه التَّبْكِيتُ ولم يُحِرْ جوابًا ولم يَزِدْ على الاعتراف لِخَصْمهِ شيأً وهُوَ على ما تَراه الآنَ لازمٌ لمن قال بامْتِناعِ مُواضَعةِ القَديمِ وقد يَنْبَغِى للمُتَأَمِّل المُنْصفِ والدَّقيقِ النَّظَرِ غيرِ المُتَعَسِّفِ ولا الْبَرِمِ المُتَعَجْرِفِ فيما بعدُ أن لا يَقْتادَ لمُمَوَّهِ البراهينِ وأن لا يَقْنَع بِما دونَ أعْلَى طَبقةٍ من طَبقاتِ اليَقِينِ وأن يَقِفَ بحيثُ وَقَفَ به الادْرَاكُ فوَجَبَ عليهِ عِنْد ذلك الامْساكُ وانْ كانَ قد أَفْضَى به النظرُ الى الشَّكائِكِ الجَدَلِيَّةِ أنه ناقِصٌ عن منزلةِ الحَقِيقةِ لانّ الشكائِكَ الجَدَلِيَّةَ لا يُقْنَعُ بها أو يَجْلُوَ لَيْلَها تَباشِيرُ صُبْحِ البُرهانِ وقد أَدَمْتُ التّنقيرَ والبحثَ مع ذلك عن هذا الموضِع فوجدتُ الدواعَى والخَوالِجَ قَوِيَّةَ التَّجاذُبِ لى مُخْتَلِفةَ جِهاتِ التَّغَوُّلِ على فِكْرِى وذلك لانّا اذا تأمَّلنا حالَ هذه اللغةِ الشريفةِ الكريمةِ اللطيفةِ وَجَدْنا فيها من الحِكْمةِ والدِّقَّة والارْهَافِ والرِّقة ما يَملِكُ علينا جانبَ الفِكْرِ حتى يَطْمَحَ بنا أمامَ غَلْوة السِّحْرِ فمنْه ما نَبَّه عليه الاوائلُ من النحويين وحَذاه على أَمْثِلَتِهم المُتأخرون فعَرَفْنا بتَبَيُّنهِ وانْقِيادِه وبُعْدِ مَرامِيهِ وآمادِه صِحَّةَ ما وُفِّقُوا لتَقْديمهِ منه ولُطْفِ ما أُسْعِدُوا به وفُرِقَ لهمْ عنه وانْضافَ الى ذلك واردُ الأخبارِ المأثُورةِ بانَّها من عندِ اللهِ تَبارك وتعالَى فقَوِىَ فى أنْفُسنا اعتقادُ كونِها تَوْقيفاً من اللهِ تعالى وأنها وحىٌ
فاذ قد بَيَّنا ما اللغةُ أمُتَواطَأٌ عليها أم مُوحىً بها ومُلْهَمٌ اليها فلْنَقُلْ على حَدِّها وهو عامٌّ لجميعِ اللغاتِ لان الحدَّ طبيعىٌّ ثم لنُردِفْ ذلك بالقول على اشتقاقِ الاسمِ الذى سَمَّتْهُ العربُ به وهو خاصٌّ بلسانِها لانّ الأسماءَ تَواطُئِيَّةٌ* أمَّا حَدُّها ونَبْدَأُ به لشَرفِ الحَدِّ على الرَّسْمِ فهو أنها أصواتٌ يُعَبِّرُ بها كلُّ قومٍ عن أغْرَاضِهِمْ وهذا حدٌّ دائرٌ على مَحْدُودِه مُحِيطٌ به لَا يَلْحَقُه خَلَلٌ اذْ كُلَّ صَوْتٍ يُعَبَّرُ به عن المعنَى المُتَصَوَّرِ فى النفسِ لغةٌ وكلُّ لُغةٍ فهى صوتٌ يُعَبَّرُ به عن المعنى المُتَصَوَّرِ فى النفسِ وأماوَزْنُها وتَصْرِيفُها وما تَحَلَّلُ اليه من الحُروفِ وتَتَرَكَّبُ عنه فهى فُعْلَةٌ متركبةٌ من ل غ وه
واليها تَنْحَلُّ لانّ التَّحَلُّلَ انما هو الى مِثْلِ ما يَقَعُ عليه التَرَكُّبُ يقال لَغَوْتُ أى تكلمتُ وأصلُها لُغْوةٌ ونظيرها قُلَةٌ وكُرَةٌ وثُبَةٌ كلُّها لامُها واوٌ لقولهم قَلَوْتُ بالقُلَةِ وكَرَوْتُ بالكُرَةِ ولانّ الثُّبةَ