كأَنَّها من مقلوبِ ثابَ يَثُوبُ والجمعُ لُغاتٌ ولُغُونَ ككُراتٍ وكُرِبنَ يجمعونها بالواو والنون اشعارا بالِعوَضِ من المحذوفِ مع الدِّلالةِ على التغيير وربما كَسَرُوا أوائلَ مثلِ هذا وقالوا لَغِىَ يَلْغَى واللَّغْوُ الباطلُ من قوله تعالى (وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً)
فلما رأيتُ اللغةَ على ما أَرَيْتُكَ من الحاجةِ اليها لمكان التَّعبيرِ عما نَتَصَوَّرُهُ وتَشْتَمِلُ عليه أنْفُسُنا وخَواطِرُنا أَحببتُ أن اجَرِّدَ فيها كتابا يَجْمَعُ ما تَنَشَّرَ من أجزئِها شَعاعاً وتَنَثَّرَ مِنْ أَشْلائِها حتى قاربَ العَدَمَ ضَياعاً ولا سِيَّما هذه اللغةُ المكُرَّمَةُ الرفيعه المُحْكَمةُ البَديعه ذاتُ المعانِى الحَكيمةِ المُرْهَفةِ والالفاظِ اللَّدْنةِ القَوِيمةِ المُتَّفِقةِ مع كونِ بعضِها مادَّةَ كتابِ اللهِ تعالى الذى هو سَيّدُ الكلامِ (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ)
وتَأمَّلتُ ما ألَّفَهُ القدماءُ فى هذه اللسانِ المُعْرَبةِ الفصيحه وصَنَّفُوه لتَقْييدِ هذه اللغةِ المُتشَعِّبةِ الفَسِيحه فوَجَدْتُهم قد أَوْرَثُونا بذلك فيها عُلوما نَفِيسةً جَمَّه وافْتَقَرُوا لنا منها قُلُباً خَسِيفةً غَيْرَ ذَمَّه الَّا أنّىِ وَجَدْتُ ذلك نَشَراً غَيْرَ مُلْتَئِم ونَثْراً ليس بمُنْتَظِم اذ كانَ لا كِتابَ نَعْلمُه الَّا وفيهِ من الفائدةِ ما ليس فى صاحبِهِ ثم انِّى لم أَرَ لَهُمْ فيها كتابا مشتملا على جُلّهِا فَضْلاً عن كُلِّها مع أنِّى رأيتُ جميعَ مَنْ مَدَّ الى تأليفِها يداً وأَعْمَلَ فى تَوْطِئَتِها وتَصْنيفِها منهم ذِهْناً وحَلَداً قد حُرِمُوا الارْتيِاضَ بِصناعةِ الاعْراب ولَم يَرْفَعِ الزَمَنُ عنهم ما اسْدِلَ عليهم مِنْ كَثيفِ ذلك الحجاب حتى كأنهم مَوَاتٌ لم يُمَدَّ بحَيوانِيَّه أو حيوانٌ لم يُحَدَّ بانْسانِيه فانا نَجِدُهُم لا يُبَيِّنُونَ ما انْقَلَبَتْ فيهِ الالِفُ عن الياءِ مما انقلبتِ الواوُ فيه عن الياءِ ولا يَحُدُّون المَوْضِعَ الذى انْقِلابُ الالفِ فيه عن الياءِ أَكْثَرُ من انقلابِها عن الواوِ مع عكسِ ذلك ولا يُمَيِزّونَ مما يَخْرُجُ على هَيْئَة المقلوبِ ما هو منه مَقْلُوبٌ وما هُوَ من ذلك لغتانِ وذلك كجَذَبَ وجَبَذَ وَيِئسَ وأَيِسَ ورَأَى ورَاءَ ونَحْوِه مما سَتراه فى موضعِه مُفَصَّلاً مُحَلَّلاً مُحْتَجًّا عليه وكذلك لا يُنَبِّهونَ على ما يَسْمَعُونَه غَيْرَ مهموز مما أصلُه الهمزُ على ما ينبغى أن يُعْتَقَدَ منه تَخْفِيفاً قِياسِيًّا وما يُعْتَقَدُ منه بَدَلَا سمَاعِيًّا ولا يَفْرِقُونَ بين القَلْبِ والابِدْالِ ولا بَيْنَ ما هو جَمْعُ بكسَّرُ عليه الواحدُ وبين ما هو اسمٌ للجَمْعِ وربما استشهدوا على كلمةٍ من اللغةِ بِبيتٍ ليس فيه شئٌ من تلكَ الكلمةِ كقول أبى عُبَيْدٍ النَّبِيثةُ ما أَخْرَجْتَهُ من تُرابِ البئر واستشهاده على ذلك بقولِ صَخْرِ الغَىِ * لِصَخْرِ الْغَىِّ ما ذا تَسْتَبِيثُ* وانَّما النَبِيثةُ كلمةٌ صحيحةٌ مُؤتَلِفَةٌ من ن ب ث وتَسْتَبِيثُ كلمةٌ معتلَّةٌ مؤتِلفةٌ من ب وث أو ب ى ث يقال بُثْتُ الشئَ بَوثْاً وبِثْتُهُ وأَبَثْتُه اذا