ونهانا عنه فصار الطارح كأنه الموصل إليه الألم فلهذا كان العوض علينا دونه تعالى. وكذلك إذا شهد عند الإمام شاهدا زور بالقتل فإن العوض على الشهود وإن كان الله تعالى قد أوجب القتل والإمام تولاه وليس عليهما عوض لأنهما أوجبا بشهادتهما على الإمام إيصال الألم إليه من جهة الشرع فصار كأنهما فعلاه (لا يقال) هذا يوجب العوض عليه تعالى لأنه هو الموجب على الإمام قتله (لأنا نقول) قبول الشاهدين عادة شرعية يجب إجراؤها على قانونها كالعادات الحسيات فكما وجب العوض على الملقي للطفل في النار قضاء لحق العادة الحسية كذلك وجب العوض هنا على الشاهدين قضاء لحق العادة الشرعية والمناط هو الحكمة المقتضية لاستمرار العادات.
قال : والانتصاف عليه تعالى واجب عقلا وسمعا.
أقول : اختلف أهل العدل في ذلك فذهب قوم منهم إلى أن الانتصاف للمظلوم من الظالم واجب على الله تعالى عقلا لأنه هو المدبر لعباده فنظره كنظر الوالد لولده فكما يجب على الوالد الانتصاف كذلك يجب عليه تعالى قياسا للغائب على الشاهد. وقال آخرون منهم إنه يجب سمعا لأن الوالد يجب عليه تدبير أولاده وتأديبهم أما الانتصاف بأخذ الأرش من الظالم ودفعه إلى المظلوم فلا نسلم وجوبه عقلا بل يحسن منا تركهم إلى أن تكمل عقولهم لينتصف بعضهم من بعض والمصنف ـ رحمهالله ـ اختار وجوبه عقلا وسمعا أما من حيث العقل فلأن ترك الانتصاف منه تعالى يستدعي ضياع حق المظلوم لأنه تعالى مكن الظالم وخلي بينه وبين المظلوم مع قدرته تعالى على منعه ولم يمكن المظلوم من الانتصاف فلو لا تكلفه تعالى بالانتصاف لضاع حق المظلوم وذلك قبيح عقلا. وأما من حيث السمع فلورود القرآن بأنه تعالى يقضي بين عباده ولوصف المسلمين له تعالى بأنه الطالب أي الذي يطلب حق الغير من الغير.
قال : فلا يجوز تمكين الظالم من الظلم من دون عوض في الحال يوازي ظلمه.
أقول : هذا تفريع على وجوب الانتصاف وهو أنه هل يجوز تمكين الله تعالى من الظلم من لا عوض له في الحال يوازي ظلمه فمنع منه المصنف ـ رحمهالله ـ وقد اختلف أهل